معطى التغيير على النظام السياسي الفلسطيني
تاريخ النشر : 2021-05-14 16:44

يسأل الكثير من الأصدقاء حول النتائج الممكنة والمرجوة من جولة الصراع القائمة الآن بين المحتل الغاصب للأرض الفلسطينية وبين الشعب المقاوم الذي هبّ بشكل غير مسبوق في القدس والداخل الفلسطيني وإلتحم مع المقاومة في غزة العزة التي وجهت مقاومتها ضربات صاروخية موجعة ولا تزال لمجمل الكيان الغاصب والجاثم على فلسطين من بحرها إلى نهرها، واليوم تلحتم الضفة بركب المقاومة رغم أنف المرتجفين الذين لا يؤمنون أصلا بقدرة وإرادة شعبهم ومقاومته.

وللواقعية السياسية فإن هذه الجولة تختلف عن سابقاتها كونها جاءت أولا بعد إلغاء الإنتخابات والديمقراطية الفلسطينية بذريعة القدس، وثانيا المحاولات الجارية للتطهير العرقي في الشيخ جراح والإعتداءات المتكررة في شهر رمضان على القدس والمسجد الأقصى ومحاولة إقتحامه في ما أسموه "مسيرة الأعلام" في ما يعرف عندهم بيوم "توحيد القدس" التي بددتها صواريخ المقاومة القادمة من غزة الشرف والبطولة والحشودات الجماهيرية المدافعة عن القدس والأقصى من كل الجغرافيا الفلسطينية وفي مقدمتها أهلنا في القدس والداخل الفلسطيني.

ورغم أن طبول الحرب لا زالت تُقرع وغزة تعاني من قصف وحشي ودمار وهناك العشرات من الشهداء خاصة الأطفال والنساء وكبار السن، ورغم أن المقاومة بكافة اشكالها ووفق طبيعة الواقع الفلسطيني أيضا مستمرة وتتصاعد، إلا أن هناك وقائع جديدة فرضت نفسها سياسيا على الكل الفلسطيني والإقليمي والدولي، وهناك معطيات مهمة إرتبطت بها هذه الجولة من الصراع أهمها إنتفاضة شعبنا الفلسطيني في الداخل الفلسطيني الذي يواجه عصابات المستوطنين المتطرفين من "كاخ" و "لاهفا" و "لافيمليا" والتي يقودها المتطرف "بني غيفر" وزميلة "سموتريش"، إضافة لإنتفاضة أهلنا في القدس التي تستشعر بشكل يومي عمليات التطهير العرقي كإستهداف مباشر وإستراتيجي في محاولة للسيطرة على مدينة القدس وتهويدها بالكامل، أما المُعطى المهم فهو مبادرة المقاومة في غزة لتوجيه ضربة مباشرة ردا على هذه الممارسات وبالذات في القدس، ليؤكد هذا المعطى أن غزة والقدس والداخل الفلسطيني إلتحم في المواجهة المباشرة، والضفة على موعد ليلتحق بالركب لأن التهويد يستهدفها كما يستهدف غيرها، ولأن الضفة لم تتأخر يوما عن المقاومة وكانت السبّاقة في كلّ المواجهات وستبقى عصية على تدجينها وتحويلها لما أراد "دايتون" و "الدايتونيين".

الواقع الجديد سينعكس على مجمل النظام السياسي الفلسطيني فالمعطيات والمدخلات لا بدّ لها من مُخرجات جديدة ونحن نرى كيف أن وقف إطلاق النار فشل بسبب رفض حكومة اليمين في إسرائيل وضع ما يجري في القدس كجزء من الإتفاق، وما حدث حتى الأن يوحي بأن المبادرة التي جاءت من المقاومة في غزة لن تنتهي بدون أن يكون الدور الأساسي للقادم هو غزة بمقاومتها وبالحد الأدنى واقع يربط إنتهاء الحصار عن غزة وتفاهمات بخصوص القدس وإنعكاس ذلك على واقع النظام السياسي الفلسطيني الجديد، وما كان سيحدث من خلال الإنتخابات الفلسطينية التي تم إلغاؤها بذريعة القدس، سيحدث بعد هذه الجولة العنيفة، وهذا هو المأمول مما يحدث الآن من تضحيات جسام يقدمها الشعب الفلسطيني وعلى رأسه مقاومتنا وشعبنا في غزة.

النظام السياسي الفلسطيني يتشكل على الأرض الفلسطينية ببرنامج وطني رافض للإحتلال ولعملية السلام الوهمية والكاذبة والتي طال أمدها بسبب من تشكل شرائح مستفيدة مرتبطة ب "البزنس" القائم غير المرتبط بالوطن وهمومه والمستعد لتحويل الشعب لأذلاء في سبيل ما يُحققه من أرباح مالية عبر كونه وكيل أمني وإقتصادي وحتى سياسي خجل للمُحْتَل، نظام إعتقد أنه سيجدد نفسه من خلال دعوته للإنتخابات، وحين إكتشف حقيقته بين الجماهير قام بإلغائها بذريعة القدس التي كان المُحتل سببا أساسيا فيها وفي محاولة منه لإنقاذ تلك الشريحة، لكن القدس ردّت وأعلنت وعبر مواجهة شاملة أنها عصية على التهويد وعلى الإحتلال، وأنها جزء أصيل من فلسطين وأنها لا تقبل غير فلسطينيتها.

لست في العادة متسرعا في قراءاتي ولا أعكس عواطفي الشخصية ولكن وبموضوعية فإن بقاء الوضع والنظام السياسي على حاله غير ممكن، ويجب أن يرى النظام السياسي الجديد النور مستندا لما يريده الشعب ولما صوت عليه بالنار وبالدم وبالشهداء، نظام يستند للشراكة الوطنية المستندة لبرنامج وطني أساسه كرامة الإنسان الفلسطيني أينما وجد، وأساسه رفع الحصار عن غزة وسياسة جديدة لدعم صمود أهلنا في القدس والأغوار ودعم المناطق المهمشة، وتحويل السلطة الفلسطينية لسلطة مدنية وخدماتية للشعب الفلسطيني، وإصلاح منظمة التحرير لتستوعب كافة مكونات الشعب الفلسطيني كممثل شرعي ووحيد وعلى أساس مفهوم الدولتين ووفق الشرعية الدولية ولكن بعيدا عن الوهم السياسي المتمثل بالإلتزام بإتفاقيات لا يلتزم بها المُحتَل، وإلا فإن المطالبة بالدولة الفلسطينية الواحدة العلمانية والديمقراطية هي البديل الواقعي لوضع الأمور في نصابها، فأما دولتين وإلزام المجتمع الدولي بذلك بدون مفاوضات بالطريقة "الشاميرية" طريقة التسويف، (شامير رئيس وزراء أسرائيل السابق في عام عام 1990 حينما كان وزير خارجية قال بأن المفاوضات ستستمر وبلا نهاية)، وإما دولة واحدة تساوي بين جميع مواطنيها في فلسطين من بحرها إلى نهرها.

لكن يبقى الشيء القادم والمهم بأن طبيعة النظام السياسي الفلسطيني والذي تأمل الشعب الفلسطيني تغييره بالإنتخابات وعبر صندوق الإقتراع، لن يبقى كما هو عليه الآن بعد هذه الجولة والمقاومة الشرسة وهذه التضحيات التي يخوضها الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها غزة وشعبها والمقاومة، إن هذا هو معطى التغيير القادم على النظام السياسي الفلسطيني.