قراءة فى زيارة رئيس المخابرات العامة إلى إسرائيل وفلسطين
تاريخ النشر : 2021-06-01 12:53

قبل أن أتعرض إلى الأبعاد الخاصة بالزيارة شديدة الأهمية التي قام بها السيد/ رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل إلى كل من إسرائيل وفلسطين يومي 30 و31 مايو، أرى ضرورة الإشارة إلى نقطة رئيسية من المهم توضيحها حتى تكون الصورة متكاملة ومفادها أن الدولة المصرية منحت القضية الفلسطينية الأولوية الأولى في تحركاتها خلال هذه المرحلة نظراً لحساسية التطورات الأخيرة وإرتباطها بالإستقرار في المنطقة، ولعل من أهم مميزات هذه المرحلة أن السيد/ الرئيس عبد الفتاح السيسي يقود ويتابع بنفسه هذا الملف وتطوراته المتلاحقة من أجل أن يمنحه الزخم المطلوب خاصة وأن الأمر يتعلق بقضية معقدة ومتعددة الجوانب ومرتبطة تماماً بالأمن القومي المصري.

ومن هنا إنطلقت زيارة السيد/ رئيس المخابرات العامة إلى إسرائيل وفلسطين والتي إكتسبت أهميتها من خلال الأبعاد الخمسة التالية:

البعد الأول: أن الزيارة جاءت تكليفاً من القيادة السياسية بهدف الحفاظ على قوة الدفع التي نجمت عن الأحداث الأخيرة، ومن أجل الإتفاق على كافة الإجراءات والخطوات التي من شأنها الحيلولة دون تكرار هذا التصعيد مرة أخرى.

البعد الثانى: أن توقيت تلك الزيارة جاء فى أعقاب أيام قليلة من النجاح الذي حققته مصر وشهد له العالم أجمع في التوصل لإتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة بعد حرب تدميرية إستمرت إحدى عشر يوماً.

البعد الثالث: أن الزيارة إشتملت على كل من إسرائيل وفلسطين بشطريها الضفة الغربية وقطاع غزة، وشهدت لقاءات أجراها السيد / رئيس المخابرات مع أعلى المستويات السياسية سواء في إسرائيل مع رئيس الوزراء ناتانياهو وأهم القيادات الإسرائيلية العسكرية (وزير الدفاع بينى جانتس) والأمنية (مستشار الأمن القومى مائير بن شابات)، أو في رام الله مع الرئيس أبو مازن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، أو في قطاع غزة مع قيادات الفصائل والتنظيمات الفلسطينية.

البعد الرابع: أن اللقاء الذي تم مع ناتانياهو جاء في وقت تدرك فيه مصر أن هناك إحتمالات بألا يستمر في منصب رئيس الوزراء نظراً لإستمرار يائير لابيد في مشاورات قد تنجح لتشكيل حكومة جديدة ، وبالرغم من ذلك كان هناك حرصاً واضحاً من جانب مصر على أن تؤكد مواقفها وسياساتها الثابتة مع أية حكومة يختارها الشعب الإسرائيلي.

البعد الخامس: نقل رسالة واضحة من الرئيس/ السيسي إلى الرئيس أبو مازن جوهرها أن مصر ستظل داعمة للشعب الفلسطينى ومقدراته بالفعل وليس بالقول، وأن مصر ترى في الرئيس الفلسطينى أنه عنوان ورأس الشرعية.
وفي نفس الوقت سعت الزيارة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية على المستويات الثلاثة التالية:

أولاً: على المستوى المصري
تأكيد إستمرارية الدور المصري في كل ما يتعلق بالأزمة الأخيرة والنتائج التي ترتبت عليها.
أن مصر ستكون حاضرة خلال الفترة القادمة مع كافة الأطراف والقوى من أجل الحفاظ على ما تم تحقيقه حتى الآن والبناء عليه.

أن على كافة الأطراف المباشرة والمعنية أن تثق في الموقف المصري وقدرته على أن يؤدى دوره خلال الفترة المقبلة بكل كفاءة مثلما تم بالنسبة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة.

أن مصر لديها القدرة والخبرة على التعامل مع جميع الأطراف بكل شفافية وجدية ومصداقية، وأنها تقف على مسافة واحدة من جميع الفصائل والتنظيمات حيث أن ما يهم مصر في النهاية هو مصلحة الشعب الفلسطيني التى يجب أن تعلو فوق أية مصالح أخرى.

ثانياً: على المستوى الإسرائيلي

ضرورة إلتزام إسرائيل بإتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه فجر يوم 21 مايو ووضع كافة الآليات التي تكفل منع أي تصعيد جديد في الموقف فى إطار من التهدئة الشاملة.
أهمية عدم إتخاذ إسرائيل أية إجراءات أحادية الجانب من شانها توتير الوضع مرة أخرى سواء فى مجال الإستيطان أو تهجير سكان القدس أو إقتحام القوات الإسرائيلية والجماعات اليهودية المتطرفة للمسجد الأقصى.

إستعداد مصر للقيام بدور الوساطة فيما يتعلق بقضية تبادل الأسرى والمفقودين بين إسرائيل وحركة حماس وقدرة مصر على إنجاز هذا الأمر.

أهمية أن تقوم إسرائيل بتقديم كافة التسهيلات المطلوبة من أجل تسهيل الحياة للسكان الفلسطينيين فى القطاع مثل فتح المعابر التجارية وإدخال السلع والبضائع المختلفة إلى القطاع.

ثالثاً: على المستوى الفلسطيني

التأكيد على الدعم المصري الكامل والمتواصل للرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية حتى يتم تحقيق المتطلبات المشروعة للشعب الفلسطينى.
إستعداد مصر للمساعدة فى ترتيب البيت الفلسطينى والموافقة على إستضافة القاهرة الإجتماع القادم للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية من أجل السير قدماً في مجال توحيد الموقف الفلسطينى.

حرص مصر على القيام بكل الجهد المطلوب من أجل إنهاء الإنقسام الفلسطيني وإستعداد مصر لإستئناف جهود المصالحة الفلسطينية خلال الفترة القريبة القادمة.
تأكيد الدور المصري الفاعل في مجال إعادة إعمار قطاع غزة وضرورة ألا يرتبط هذا الموضوع بأية مواقف سياسية أو أمنية أو مصالح حزبية حتى يمكن أن تنطلق عملية إعادة الإعمار في أسرع وقت ممكن.

الإستعداد للقيام بدور الوساطة المطلوبة والفاعلة من أجل إنجاز صفقة جديدة لتبادل الأسرى.

وفي نفس الوقت جاء لقاء السيد/ رئيس المخابرات العامة مع قيادات الفصائل والتنظيمات الفلسطينية فى قطاع غزة ليؤكد حرص مصر على دعم الشعب الفلسطينى فى أعقاب الحرب التدميرية التى قامت بها إسرائيل ضد القطاع وما نجم عنها من خسائر بشرية ومادية ضخمة، وأن مصر ستكون من أولى الدول التى ستكون حاضرة عملياً فى موضوع إعادة إعمار غزة، ومن هذا المنطلق تم بالفعل خلال الزيارة وضع حجر الأساس لأول مدينة سكنية ستقوم مصر بتشييدها وسط القطاع.

كما حملت زيارة السيد/ رئيس المخابرات إلى قطاع غزة رسالة مصرية واضحة ومتكاملة المعانى موجهة من القيادة السياسية المصرية إلى كافة أطياف الشعب الفلسطينى بأن الوقت قد حان من أجل إنهاء الإنقسام وتوحيد شطرى الدولة الفلسطينية مرة أخرى حيث ترى مصر فى غزة أنها أحد شطري الوطن والدولة الفلسطينية المرتقبة وتأكيداً لمقولة أنه لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة.

وفي رأيى أن هذه الزيارة التاريخية للقطاع لابد أن تجذب الفصائل والتنظيمات الفلسطينية بشكلٍ سريع إلى مربع المصالحة الفعلية ويكفى 14 عاماً من الإنقسام اللعين الذي ينهش بقوة فى الجسد الفلسطيني مثله مثل قطار الإستيطان والتهويد الإسرائيلي الذي يسير بلا هوادة فى القدس وفي الضفة الغربية.

ويتبقى التساؤل الهام بالنسبة للمستقبل القريب ماهو شكل التحرك الذي سيتم خلال المرحلة القادمة إرتباطاً بنتائج زيارة السيد / رئيس المخابرات؟ وفي هذا المجال أرى أن الآلية المقبلة يمكن أن تكون في الإطار التالي:

أن مصر بحكم ثقلها ودورها وخبراتها وإهتماماتها سوف يكون لها الدور الأكبر في الإنخراط في العديد من القضايا والموضوعات الجارية التى تحتاج إلى جهد فائق ومتابعة دقيقة من أهمها مراقبة ومتابعة تثبيت وقف إطلاق النار ومتطلباته، وإنهاء الإنقسام، وتوحيد الموقف الفلسطيني، وتبادل الأسرى.

أن هناك مسئولية كبيرة تقع على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني فيما يتعلق بعدم إتخاذ أى منهما وخاصة الجانب الإسرائيلى أية إجراءات من شأنها توتير الموقف بينهما مرة أخرى وهو الأمر الذى سوف يساعد مصر على القيام بالمهام المتعددة الموكلة إليها والقادرة بإذن الله على إنجازها.

أن التحرك المصرى سوف يتواصل مع الجانب الإسرائيلى بغض النظر عن أية تغييرات يمكن أن تحدث فى الحكومة الإسرائيلية، حيث أن التحرك المصري يرتبط بالأمور الموضوعية وليس بالإجراءات الشكلية.

أن موضوع إعادة الإعمار أصبح مسئولية دولية يجب أن يتم بلورة آلياتها فى أقرب وقت تأسيساً على موقف مصر التى أطلقت وسط الحرب مبادرة إعادة أعمار غزة وتقديم 500 مليون دولار فى هذا المجال، ومن المهم فى هذا المجال أن تكون الساحة الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة مهيأة ومستعدة لهذا الحدث دون إثارة أية معوقات.

أن إنهاء الإنقسام أصبح هو الخيار الوحيد أمام كافة المسئولين الفلسطينيين بلا إستثناء ولن تكون هناك أي وحدة أو تقدم فى الموقف الفلسطيني دون تحقيق هذه المصالحة.

الخلاصة أن مصر تتحرك في القضية الفلسطينية بإسلوب إيجابى متدرج في إطار خطة أشمل وتأخذ فى إعتبارها كافة المستجدات الناجمة عن الأحداث الأخيرة ومدى تعقيدات وتفصيلات هذه المستجدات، ومن ثم تحاول مصر التوصل إلى حلول عملية لكافة القضايا الحالية وإحتواء أية مشكلات متوقعة يمكن أن تثار في المرحلة المقبلة، وفي كل الأحوال سوف تظل آليات التحرك المصرى قائمة ومتداخلة وفاعلة ومطلوبة فى كل وقت وحين.

وفي ضوء ما سبق فلا شك أن كافة الجهود المصرية تهدف في النهاية إلى توفير المناخ الملائم نحو إستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي لابد أن تبدأ وتتوصل إلى تنفيذ الحل المتفق عليه فلسطينياً وعربياً وإقليمياً ودولياً وهو حل الدولتين ذلك الحل الوحيد الذي لا يجب أن نحيد عنه أبداً مهما كانت العراقيل بل نعمل على تنفيذه بأسرع ما يمكن حتى لا نصل إلى مرحلة يستحيل معها تطبيق هذا الحل على الأرض، وسوف تظل قناعة مصر الدائمة أن حل القضية الفلسطينية هو المدخل الرئيسي لإستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط.

ومن هنا يمكن القول أن مصر تسابق الزمن وتتحرك في هذه القضية على كافة المستويات السياسية والأمنية والإنسانية من أجل مصلحة الشعب الفلسطينى، ولعل صور السيد/ الرئيس عبد الفتاح السيسى التي رفعت في أنحاء قطاع غزة وكذا حفاوة إستقبال السيد/ رئيس المخابرات تؤكد أن الشعب الفلسطينى الصامد يدرك مدى صدق القيادة السياسية المصرية وأن مصر لن يهدأ لها بال إلى أن ينال الفلسطينيين حقوقهم المشروعة المسلوبة وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.