الاستطلاع رسالة "إرهاب" لفتح قد لا تكون بريئة!
تاريخ النشر : 2021-06-16 09:18

كتب حسن عصفور/ سارعت وسائل الإعلام، بكل اللغات الحية ونصف الحية، تناول آخر استطلاعات رأي حول المشهد الفلسطيني، والتي أكدت ما يعلمه "أطفال فلسطين"، حول توازن الشعبيات بين القوى المختلفة، بعد معركة الـ 11 يوما، وما تركته أثرا معنويا وسياسيا.

منطقي جدا، أن تنحاز حركة الاستطلاع الشعبي الى حماس والقوى التي شاركت عسكريا في قصف دولة الكيان، خلقت حالة تفاعلية شعبية كشف أن "الكبت الكفاحي" كسر القيود ليس داخل الوطن الفلسطيني، بل في المنطقة من محيطها الى خليجها، وخاصة بعد تسارع حركة التطبيع من دول عربية، ومدى الغرور السياسي الذي أصاب الطغمة الحاكمة في تل أبيب ورأسها الذي غادر مكانه، الى غير رجعة، نتنياهو.

ومع سكون حركة الفعل على ما يحدث في الضفة والقدس، وتسارع تنفيذ المشروع التهويدي تحت رعاية الانقسام، كان الرد الصاروخي من قطاع غزة ليس ضد عدو قومي في دولة الكيان فقط، بل ضد حالة عجز "شرعنت" غياب قوة الفعل نحو استكمال حركة التحرر والبناء لدولة فلسطين.

لذلك، أن تعلن غالبية ساحقة تفضيلها حماس وقوى الفعل الصاروخي، منطقيا جدا، ولو كان غير ذلك لبات الأمر يدخل في مسلسل كوميدي لا أكثر، ولذا لا مفاجآت بالمعنى المباشر لجوهر الاستطلاع، بعيدا عن دقة الأرقام، فغالبا لا تصيب.

ما يهم الفلسطيني ليس ما جاء أرقاما تتحول بذات السرعة مع أي حدث جديد، ارتفاعا أو هبوطا، ولا ثبات لحركة ميزان الأرقام عند حال دون تحديث، ولكن الرسالة الأهم التي يجب التوقف أمامها تتعلق بحركة فتح دون غيرها، فهي المعادل المركزي في المشهد الفلسطيني.

في المعركة الأخيرة كانت حركة فتح وخاصة (م7) الخاسر الرئيسي من نتائج معركة الـ 11 يوما، لأن قيادتها تعاملت مع الأمر باستخفاف سياسي غريب، بل ومثير للأعصاب الوطنية، سلوك أضر جدا بتاريخ الحركة التي قادت الثورة الفلسطينية المعاصرة، دورا ومكانة، سلوك المتفرج، لا أكثر، وبعض بيانات فقدت كل روح وطنية، وكدست شكل جديد لـ "البلادة السياسية"، لم تكن جزءا من الحراك العام، لم تدرك جوهر الحدث، واعتقدت أنها أياما وستمر، بل أن بعضهم وربما غالب قيادتها، تعامل مع الأمر كـ "مؤامرة"...

فتح (م7)، في يوم الثلاثاء الكبير أبرزت طاقة حضور عالية، ولكنها لم تستمر، بل اصابتها ردة مع بيان تنفيذية منظمة التحرير، بعد اتفاق وقف إطلاق النار، أكد أن الغياب الكفاحي كان سيد التفكير على تلك المؤسسة التي باتت باهتة الى حد الحزن، وعند البعض الطامح للوراثة الى حد الشماتة.

فتح، اضاعت فرص وليس فرصة، لتقود المشهد خلال الـ 11 يوما وبعده، عبر فعل كفاحي، ودور عملي، ولكنها انتقلت من غياب الفعل في الضفة والقدس، فسارعت بعد وقف إطلاق النار، لتضع عقبات غير موضوعية أمام الحركة المصرية الأهم منذ عام 2007، وبدلا من أن تكون حكومة فتح حاضرة بكل قوتها في قطاع غزة، وأن تصبح مقر عملياتها، أطلقت الرسائل المتوالية لخطف حركة الإعمار.

كان الأصل، ان يقفز د. محمد اشتيه وكل حكومته الى قطاع غزة، دون أي ترتيبات مسبقة مع حماس، ويفتح ورشة عمل حكومية وليس ارسال بعض وزراء بشكل تسللي لم يلمس أهل قطاع غزة أي حضور فاعل لوجودهم...لو ان حكومة فتح تصرفت انها حكومة فلسطينية مسؤولة لما تأخرت دقيقة واحدة عن الانتقال الى غزة، وممارسة عملها ودورها.

حركة فتح، غابت عن الفعل الكفاحي خلال المعركة، ولكن حكومتها تصرفت وكأنها صاحبة الفعل، بعد أن وضعت "شروطها" لإعادة إعمار قطاع غزة، في مشهد لا ينم أبدا عن وعي أو إدراك لجوهر الحدث الفلسطيني بعد 10 مايو، وتصرفت على أنها "الشرعية الرسمية"، ولم تر كيف أن هاتف إسماعيل هنية لم يتوقف، في حين هاتف الرئيس عباس أصابه عطب طويل...مشهدان يعبران عما حدث، ولم تراه فتح وحكومتها بكل عمقه السياسي...

باختصار جدا، الاستطلاع الأخير هو رسالة "إرهاب سياسي" الى حركة فتح (م7) وقيادتها، بأن المشهد الفلسطيني لا يقف عند كنا وكنا، بل يتفاعل مع ما يجب أن يكون... الاستطلاع رسالة كاشفة جدا، بأن ميزان القوى لن يقف عند رغبات أو تمنيات، بل يتفاعل مع متغيرات...ولن تجدي معه أبدا محاولات تشويه حراك كسر ما لم يتوقع أن ينكسر...أي كانت "نوايا القائمين" بريئة ام لغاية عكسها.

وقبل ندم لا ينفع معه ندم...على قيادة فتح أن تقرأ الأمر دون "جدار الشرعية" الذي لن يحميها طويلا، ما لم تعيد تحصينه فعلا وقولا، وليس ثرثرة باتت مزعجة لكل ذي عقل...

ملاحظة: افتقد الرئيس محمود عباس للحكمة، عندما أصدر مرسومه حول مؤسسة ياسر عرفات، بعد لحظات من انتهاء مسيرة الأعلام...توقيت كشف أنه لم يكن بصلة مع الحدث الكبير...الانتقامية ليس فعل وطني...مآلها هلاك!

تنويه خاص: غزة دوما كانت رافعة للوطن والقضية...دوما مكوفلة بالنار ولكنها ليست بديلا ولن تكون...مسار الكفاح الشعبي مش صاروخ ولا رصاصة فحسب، بل حجر ومقلاع وقبضة ترتفع في وجه مغتصب...ويجب أن يكون!