متى يصبح العرب قادرين على التقرير في قضاياهم!
تاريخ النشر : 2021-06-17 14:46

إلى متى يبقى العرب مفعول بهم، عاجزين عن الفعل الواجب أن يقوموا به، متى يصبح العرب قادرين فعلا على التقرير في قضاياهم المصيرية في شتى المناحي والمجالات، كل هذه التحديات التي يتعرض لها العرب أفراد وجماعات ودول، ألا تحركهم وتدفعهم إلى قيام شكل من أشكال التضامن على الأقل في مواجهة ما يتعرضون له من تحديات جسام تهدد مستقبل دولهم وأجيالهم القادمة، لا أقول إلى شكل من أشكال الوحدة الإندماجية ..؟! 

إن ما يجري من تحديات صهيونية جهرا وسرا لا تصيب الشعب الفلسطيني ومستقبله وحده سواء في القدس وفي كل فلسطين، إنما تصيب كل عربي مسلما كان أو مسيحيا، اتساءل: هل فلسطين باتت خارج الجغرافيا العربية، هل هي في طرف ناءٍ من أطراف العالم العربي، هل هي جزيرة معزولة في أعالي البحار أو في إحدى القطبين ..؟! 

تساؤلات الإجابة عليها باتت محيرة. 

إن حالة فلسطين ووضعها كان عبر التاريخ قبل الإسلام وبعده، لا زال يمثل مؤشرا ليس على حالة فلسطين وشعبها، إنما مؤشر لا يكذب على حالة العرب ووضعهم ووزنهم ومدى فاعليتهم في صناعة الحضارة والتاريخ. 

فلسطين كانت ولا زالت؟ تمثل هدفا لذاتها لأبعادها الروحية والمعنوية، ولغيرها لوضعها وأهميتها الجيواستراتيجي على مستوى المنطقة العربية والعالم، لم تكتمل هيمنة ونفوذ الإمبراطوريات قديما وحديثا إلا إذا تسنى لها السيطرة على فلسطين، وبالتالي السيطرة على المنطقة العربية من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها. 

فلسطين قلب المنطقة وقلب العالم، ما جعلها محط أنظار وأهداف القوى الإستعمارية قديمها وحديثها، واليوم وهي تتعرض لأبشع احتلال ولأبشع هجمة عنصرية غربية صهيونية، تفرض واجب الإرتقاء بالمواقف العربية الرسمية والشعبية، أن تكون على مستوى التحدي، فلا أمن ولا استقرار ولا تنمية لدول وشعوب المنطقة في ظل استمرار كيان الإستعمار الصهيوني في فلسطين، لأن أهدافه وغاياته وأغراضه، تتجاوز حدود الجغرافيا الفلسطينية، لتصل إلى كل الدول والشعوب العربية دون استثناء، فمن يظن واهما أن يكون خارج أهداف الكيان الصهيوني في الهيمنة والسيطرة والنفوذ، والعبث بمقدراته عليه أن يدرك حقيقة التحديات والمخاطر التي تتهدد وحدته واستقلاله ونموه وتطوره واستقلاله من هذا الكيان الصهيوني التوسعي العنصري، الذي يسعى بدعم من الغرب الإستعماري أن يكون الدولة المتحكمة والمتنفذة في عموم المنطقة ودولها وشعوبها. 

إن مواجهة هذا الكيان السرطاني التوسعي تفرض على الجميع من الدول والشعوب العربية مواجهته ومحاصرته حتى زواله، دفاعا عن الأمن الوطني والقومي العربي لكل دولة من الدول العربية. 

لذا كانت وستبقى القضية الفلسطينية، القضية المركزية لكافة الدول والشعوب العربية، لن يتمكن الشعب الفلسطيني منفردا من حسم هذا التحدي وهذا الصراع، رغم كل الصمود الأسطوري الذي قدمه ويقدمه الشعب الفلسطيني في مواجهته وفي نضاله المستمر من أجل انتزاع حقوقه الوطنية والقومية الطبيعية في وطنه بمختلف الوسائل النضالية والكفاحية المختلفة .. 

إن حالة الصمود الفلسطينية تمثل فقط ركيزة أساسية لإستراتيجية عربية شاملة لمواجهة هذا الكيان الإستعماري. إن تهاون البعض في خطورة هذا الكيان على أمنه ومصالحه من بعض الدول العربية، سوف يعرضها إلى مخاطر سياسية واقتصادية وأمنية جمة ولا حصر لها، قد لا تدركها هذه الدول سريعا ومباشرة، وإنما على مدى عدة سنوات لا أقول عقود، سوف تكتشف تلك الدول المهرولة لتطبيع علاقاتها مع هذا الكيان الغير طبيعي، خطورة مثل هذه العلاقات على حاضرها ومستقبلها ومستقبل شعوبها، ومستقبل فلسطين وعموم المنطقة العربية. 

إن وحدة الموقف العربي لابد أن تتجلى في هذه القضية الرئيسية من قضايا العرب قضية فلسطين. 

لأن رَكزتُ على إبراز هذا التحدي الإقليمي الأساسي الذي يمثله الكيان الصهيوني للغرب مجتمعين، فإن التحديات الأخرى قد لا تقل أهمية عنه، سواء منها أطماع القوى الإقليمية الأخرى المحيطة بالعالم العربي والتي لا تخفي نواياها والطامعة في بسط الهيمنة والنفوذ على أجزاء من عالمنا العربي خدمة لمصالحا ومشاريعها هي الأخرى، والتي قد تجد نفسها في حالة تحالف مع الكيان الصهيوني علنا أو سرا في مواجهة أي حالة نهوض أو تضامن عربي يحول بينها وبين تحقيقها لأهدافها ومشاريعها في اقتسام النفوذ والهيمنة في المنطقة العربية .. 

إن التنمية والإزدهار كهدف أساسي ورئيس للدول والشعوب العربية، أيضا يمثل تحديا جماعيا للدول والشعوب العربية، التي تمتد على مساحة تقدر بحوالي12 كم مربع، تتوفر على موارد طبيعية مهمة اذا ما أحسن استثمارها، وتحتضن ما يربو على400 مليون نسمة، ما يمثل طاقة بشرية مهمة، فإذا ما تجمعت عناصر التكامل الإقتصادي، وتوفرت البيئة السياسية والقانونية لتحقيق مصالح الدول والشعوب العربية، فإن قطار التنمية والرفاه والإزدهار والتقدم سوف ينطلق ويردم الهوة القائمة بين الدول العربية والدول المتقدمة وفي أسرع مما يتخيل المرء .. هذا يحتاج إلى خطة وإرادة عربية موحدة تقوم على أساس الوعي بمصالح العرب حاضرا ومستقبلا دولا وشعوبا. 

إن إنجاز واحترام مفهوم الوطن والمواطنة، وإرساء قواعد الحكم الرشيد، وبناء دولة المؤسسات والقانون، يمثل أيضا أساسا سليما، ووعاء ضروريا لمواجهة كافة التحديات التي تواجه الجميع من الدول والشعوب العربية على السواء، عندها يتحول العرب أفرادا ومجموعات ودول، من حالة الإنفعال والمفعول به، إلى حالة الفعل والبناء والإنجاز، وتحقيق التقدم والنمو والإزدهار، وتكريس الأمن والإستقرار، وتوفير شروط المواجهة والإنتصار على الكيان الصهيوني، وإحباط غاياته وأهدافه ودوره الوظيفي الذي وجد من أجله، وعندها ترتدع بقية القوى الطامعة من اقليمية ودولية في الهيمنة والتوسع والنفوذ في المنطقة العربية، ويصبح لدى العرب دورهم وكلمتهم المؤثرة والمسموعة، ويصبح لديهم مشروعهم الوطني والقومي المبني على أساس من المصالح المشتركة في الحرية والعدل والمساواة والتقدم والإزدهار والسيادة والإستقلال. 

إذا ما خلصت النوايا ورسمت السياسات الناجعة فإن كل ذلك سيمثل أهدافا وغايات ممكنة التحقيق. 

وللحديث بقية…