بيتا : بناء النموذج ومراكمة الفعل
تاريخ النشر : 2021-06-22 17:47

بعد أكثر من شهر على إقامة البؤرة الاستيطانية "جفعات أفيتار" الاستيطانية على أراضي المواطنين في بلدة بيتا جنوب نابلس ،والتي جاءت تسميتها على اسم مستوطن قتل بالقرب من زعترة قبل عدة أعوام،وقد جاءت هذه البؤرة بعد عدة محاولات لاقامة بؤر استيطانية في هذه المنطقة كان اخرها عام 2018، ومحاولة السيطرة على جبل العرمة في العام الماضي، و لا زال أهالي بيتا يتصدون لهذا الوجود الاستيطاني ويقدمون الشهيد تلو الشهيد والمئات من الجرحى من أجل إزالة هذه البؤرة التي أنشئت من قبل عصابة من المستوطنين ، وقد أصدر وزير الجيش الاسرائيلي قبل عدة أسابيع قراراً يدعو به لضرورة اخلاء هذه البؤرة ، بعدما أثبت مواطني البلدة والقرى المجاورة بيانات تسجيل وملكية هذه الأراضي والتي تعود لأهالي بيتا وقبلان ويتما ، ولكن رئيس الوزراء الأسبق للاحتلال نتنياهو قام بتأجيل قرار تنفيذ الاخلاء، في محاولة لترحيل هذه الأزمة على الحكومة الجديدة بزعامة نفتالي بينيت، وذلك من أجل خلخة هذه الحكومة اليمينية الجديدة التي من الممكن ان تسقط بأي لحظة نظرا لعدم الانسجام الحزبي وحجم التناقض وعدم التجانس في بنيتها .

يحاول المستوطنون السيطرة على أراضي وجبال بلدة بيتا ليتم استكمال السيطرة على قمم الجبال الواصلة بين محافظات نابلس ورام الله وأريحا وبيت لحم والقدس والخليل في محاولة لتقطيع التواصل الجغرافي، وفرض واقع احتلالي جديد يصعب فيه التواصل الجغرافي فيه بين المدن الفلسطينية، والهدف الرئيس هو منع أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية ويجعل العملية السياسية أكثر تعقيداً، كما ويعمل جنود الاحتلال ومستوطنيه وبشكل ممنهج، على إرهاب المواطنين في هذه البلدة والتضييق عليهم، واستخدام كافة الأساليب الهمجية واللاإنسانية سواء من خلال القتل المقصود والتي كان اخرها لأربعة شبان واصابة أكثر من 700 مواطن بمختلف أنواع الرصاص الحي والمعدني والمطاطي وقنابل الغاز السام وهذا كله خلال شهر واحد فقط، في محاولة لثني هؤلاء المواطنين من الاستمرار في مشوار التصدي ومواجهة وجود هذه البؤرة الاستيطانية على أراضيهم.

وتقدم بلدة بيتا نموذجاً مختلفاً عن باقي مناطق التماس مع المستوطنين بشكل خاص والاحتلال بشكل عام فمن أهم ملامح هذا النموذج هو زخم المشاركة الجماهيرية من أهالي البلدة أنفسهم وحضور لافت لكل الشرائح في هذه البلدة من شيوخ ونساء وشبان وأطفال، واستخدام أساليب جديدة في المقاومة الشعبية قادرة على طرد هذه العصابات والضغط على جيش الاحتلال من أجل اخلاء هؤلاء المستوطنين من أراضي المواطنين، ومن أهم هذه الأساليب عمليات الإرباك الليلي وحرق الأراضي وقطع الطرق على الاحتلال، ومواصلة المواجهة نهاراً  وليلاً ، لتسطر بلدة بيتا أجمل صور التصدي والتحدي بتكاتف الطبيب والمهندس المعلم والطالب والشرطي ووكيل النيابة والفلاح من أجل حماية الأرض الفلسطينية من التغول الاستيطاني.

إن نجاح أي قصة للمقاومة الشعبية كان يعتمد على عدة عوامل أهمها خروج المواطنين للمواجهة وبشكل واسع بمشاركة كافة الشرائح وبمساحة أفقية ، مما يعزز استمرارية العمل النضالي الشعبي ، والعامل الثاني وجود الدعم السياسي الرسمي المتمثل بوجود الهيئات والجهات المختصة لدعم صمود هؤلاء المواطنين ، من خلال توفير كافة المستلزمات اللوجستية ودعوة كافة المؤسسات الدولية الشريكة من أجل فضح الاحتلال ،وتوفير الحماية ولو حتى بشكل جزئي لهؤلاء المواطنين ولمنع ارتكاب الجرائم بحقهم من قبل الاحتلال ومستوطنيه ، وقد ظهر هذا بشكل جلي من خلال دعوات الرئيس الفلسطيني محمود عباس وفي أكثر من مناسبة لممارسة المقاومة الشعبية وضرورة تفعيلها في كل المناطق، أما العامل الرابع فيتمثل بخطوات معنوية تلفت الأنظار وبشكل رئيسي الى هذه المناطق من خلال إقامة فعاليات رسمية وحكومية تعزز الالتفات الشعبي والدولي ، وفي هذا السياق يعتبر اعلان الحكومة الفلسطينية الحالية على لسان رئيس مجلس الوزراء د. محمد اشتية، بأن اطلاق امتحان الثانوية العامة لهذا العام في بلدة بيتا تعبيراً عن دعم الحكومة لصمود هذه البلدة،  في مواجهة آلة الاستعمار الإسرائيلي الرامية لنهب أراضي المواطنين، والعامل الرابع هو وجود أحداث معنوية تحفز هذه المناطق من خلال توفير كافة المستلزمات والمحفزات التي تعزز صمود أهالي هذه المناطق وتعزز صمودهم من خلال إقامة المشاريع الإنتاجية والزراعية واستصلاح الأراضي والجبال من أجل تعميق العلاقة بين الأرض الانسان .

إن أهم الاستنتاجات التي من الضروري التطرق اليها هو أننا بحاجة لتطوير المقاومة الشعبية، وتحويلها لاستراتيجية عمل وطني واضحة المعالم والأهداف ، لأنها يمكن أن تحقق الكثير من الإنجازات ويمكن أن تجعل هذا الاحتلال مكلف ، كما أن نجاح المقاومة الشعبية هو رافعة قوية للعمل الدبلوماسي والقانوني الدولي الهادف إلى تثبيت الحق الفلسطيني ، وما يجب التنويه له أيضاً ، أن الفعل الجماعي الرسمي والشعبي وتوسيع رقعة المواجهة بحيث تشمل كل نقاط التماس، واندماج كافة شرائح الشعب للمواجهة ، هي من أهم عوامل نجاح هذه الاستراتيجية وتحقيق مآربها المتمثلة في فضح جرائم الاحتلال من قتل ومصادرة وتضييق على مقدرات الشعب الفلسطيني من جهة ، ومن جهة أخرى إبقاء الحالة النضالية في استمرارية وفعالية وممارسة الضغط الشعبي والرسمي من أجل انهاء هذا الاحتلال الذي طال انتظار زواله عن أرضنا .