صحيفة لبنانية: هل فقد الرئيس محمود عباس شرعيته؟
تاريخ النشر : 2021-07-01 20:30

بيروت - مرال قطينة: نشرت صحيفة "النهار العربي"، تقرير تضمن الغضب العارم الذي عمّ الأراضي الفلسطينية بعد جريمة اغتيال الناشط السياسي المعارض نزار بنات على أيدي الأجهزة الأمنية الفلسطينية، هو الذي لطالما هاجم وعارض نهج السلطة الفلسطينية الداخلي عموماً والتنسيق الأمني خصوصاً، ونشر قضايا الفساد والمحسوبية المرتبطة بها على وجه الخصوص، فجّر بركان الغضب الشعبي في وجه "سلطة أوسلو" كما وصفها بنات وغيره من النشطاء السياسيين. 

وشهدت مدن رام الله والخليل وبيت لحم خروج مئات الشبان الغاضبين بهتافاتهم التي طالبت بإسقاط النظام وبرحيل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اللذين يتحملان المسؤولية كاملة في ارتكاب هذه الجريمة الإنسانية وعواقبها، ورفضهما لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة بشكلها الحالي، إذ من غير المعقول أن يكون من أمر بتنفيذ هذه الجريمة عضواً في لجنة التحقيق أو يتدخل في مجرى عملها.

تراكم الغضب الشعبي في الأراضي الفلسطينية هو نتاج سنوات من السياسات غير المحسوبة والمدروسة تجاه الفلسطينيين، والتي نتج منها تآكل الشرعية الفلسطينية بفقدان الرئيس نفسه لهذه الشرعية.

قمع واستبداد وتفرد بالسلطة أنتجت طبقات شديدة الثراء والرفاهية تتمتع بامتيازات على حساب الطبقات المتوسطة والفقيرة، لتسحقها وتقتل آخر آمالها بالعيش بكرامة وحرية، ولتنظر الى المستقبل بعين خائفة من مزيد من البؤس والحرمان.

قد تكون كلمة فساد بسيطة لوصف الحالة التي وصلت اليها سلطة فاقدة الشرعية، استفردت بالحكم المطلق لسنوات، زاد من جبروتها انقسام منذ ما يقارب 15 عاماً، ساهم في فرض سطوة حكمها على الضفة الغربية، لتتحول مع الانهيار السياسي والاقتصادي دولة بوليسية ونظاماً قمعياً يضاف الى أنظمة القمع والفساد في المنطقة، وسجوناً فلسطينية لا تقل قمعاً عن سجون الاحتلال، وخير مثال على ذلك سجن أريحا، لكن هذا لا يعني بالمطلق أن حكم حركة "حماس" لقطاع غزة أفضل أو أكثر ديموقراطية، فأركان الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة أصبحوا يشكلون عبئاً شديداً على الفلسطينين عامة، لإفلاسهم السياسي وافتقادهم الرؤية السياسية والاستراتيجية والمستقبلية على حد سواء، ولسوء إدارتهم الأزمات وقمعهم الحريات والرأي الآخر.

حصيلة سياسات السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها ساهمت في إضعاف المشاركة الشبابية في الحياة السياسية العامة، في ظل الانقسام السياسي وتعطل النظام البرلماني، أي أنها وضعت الشرعية الفلسطينية في مأزق متنام طال قضايا اجتماعية أساسية.

فالمجتمع الفلسطيني يعتبر مجتمعاً شاباً متعلماً، يشكل الشباب بين الأعمار (15-29) نحو 1.14 مليون نسمة، أي ما نسبته 22 في المئة من إجمالي السكان في فلسطين، 23 في المئة منهم في الضفة الغربية و22 في قطاع غزة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء منتصف عام 2020، وبحسب الجهاز أيضاً، فإن نسبة الأمية بين الشبان قد تلاشت الى نحو 0.7 في المئة، وأن من بين كل 1000 شاب هتاك 180 حصلوا على شهادة بكالوريوس فأعلى، أما بالنسبة الى الفتيات فمن بين كل 1000 فتاة هناك نحو 230 فتاة حاصلة على شهادة بكالوريوس فأعلى.

وعلى مدار السنوات الماضية، أصبحت مشاركة الشباب سياسياً موضوعاً ثانوياً أمام التحديات والمعوقات القائمة، رغم أنهم يشكلون ثلث المجتمع، وهم عنوان النضال في كل المجالات السياسية والشعبية والإعلامية، علماً أن نسبتهم ستزداد خلال السنوات المقبلة.

كما تسببت القيادة الفلسطينية بارتفاع معدلات البطالة بين صفوف الشباب لافتقادها الرؤية في استيعاب نسبة المتعلمين العالية بين الشباب، حيث تخطت معدلات البطالة 25.9 في المئة، يضاف الى ذلك ضعف مشاركة المرأة في الحياة السياسية، رغم تميز مشاركتها في النضال السياسي والاجتماعي وحركة التحرر، وريادة دورها طيلة السنوات الماضية في المعركة ضد الاحتلال، لكنها اليوم شبه مغيبة عن دائرة صنع القرار. والفروقات واضحة بين النساء والرجال، وبذلك تفرد رجال كبار السن من كل الفصائل الفلسطينية بالحياة السياسية، لتختفى حرية الرأي والتعبير من الحياة السياسية والاجتماعية في فلسطين، ولتساهم هذه العوامل في تعزيز القانون العشائري القبلي والعائلي أكثر لفرض التسويات والحلول، نظراً الى ضعف النظام القانوني وهشاشة المنظومة السياسية، وتؤدي الى تنامي العقلية البطريركية وتساهم في سيطرة الرجل المطلقة على صنع القرار.

لا غرابة أن ينادي الشارع الفلسطيني برحيل الرئيس محمود عباس، بعدما توالت الفضائح السياسية وتراكمت ملفات قضايا الفساد وسوء الإدارة، وخيانة الأمانة العامة في أدراج هيئة مكافحة الفساد، فالرجل انتهت ولايته دستورياً في 9 كانون الثاني (يناير) عام 2009، أي أن الرئيس فاقد للشرعية منذ ما يقارب 12 عاماً، وبالتالي أصبحت المنظومة الفلسطينية برمّتها بحاجة الى تغيير. وصدور مرسوم رئاسي بتأجيل الانتخابات التي كانت مقرة في أيار (مايو) الماضي فسر يومها بأنه إلغاء تام للانتخابات التشريعية والرئاسية، وبالتالي تفتيت لما تبقى من شرعية هذه السلطة. 

وأطلق دبلوماسيون غربيون في القدس تصريحات حادة وشديدة اللهجة، شككوا فيها بشرعية عباس "نظراً الى تأجيله الانتخابات التشريعية والرئاسية، ومنعه إتمام العملية الديموقراطية في فلسطين"، خلال مؤتمر عُقد في القدس يوم الجمعة الماضي، شارك فيه 200 شخص، بينهم سفراء وقناصل أجانب وممثلون عن الاتحاد الأوروبي. أحد الدبلوماسيين قال إن "الاتحاد الأوروبي يشعر بخيبة أمل من قرار تأجيل الانتخابات البرلمانية الفلسطينية"، وأن "الاتحاد الأوروبي على علم بادعاءات خطيرة للغاية من  منظمات حقوق الإنسان بشأن الوضع في أراضي السلطة الفلسطينية والاعتقالات التعسفية ومسألة تقييد الحريات"، بحسب ما نشر موقع جي واير الإسرائيلي.

16 عاماً من الحكم تولى خلالها محمود عباس رئاسة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة "فتح"، جاءت بعد توافق إقليمي ودولي وانعدام المنافسة الجدية من أي مرشح من أي حزب فلسطيني آخر، استفرد خلالها بالحكم وقام بالتغييرات اللازمة ليطال حكمه الحياة الفلسطينية بأكملها من دون حسيب أو رقيب.

فالمجلس التشريعي معطل ولا انتخابات من أي نوع كان، ومناخ الديموقراطية معدوم تماماً، ليضمن بقاءه في المنصب أطول فترة ممكنة، فسياسات عباس الداخلية لم تخرج يوماً عن سياق تعميق الانقسام والفشل المتلاحق في إدارة القضية الفلسطينية داخلياً وفي المحافل الدولية، وبينما تستفيد حركة "حماس" سياسياً من فشل عباس في الضفة، تتعمق خسارة الشعب الفلسطيني داخلياً وخارجياً، فمن ناحية عمق مفهوم تفرد السلطة الفلسطينية في التنسيق الأمني مع إسرائيل على حساب أرواح الفلسطينين من مدنيين وعسكريين سقطوا ضحية لهذا التنسيق الأمني الذي نعته بـ"المقدس"، كما عمل من ناحية أخرى حثيثاً على تشويه مفهوم مشروعية مقاومة الاحتلال، واكتفى بالدعوة الى المقاومة الشعبية التي لا يؤمن بها أصلاً. خلال السنوات الأخيرة تعمقت الأزمة الداخلية داخل حركة "فتح"، وبين الفصل التعسفي والانشقاق والتمرد تحول أكبر فصيل فلسطيني أشلاء فصيل، واستفرد بفصائل منظمة التحرير الأخرى، محولاً الأمناء العامين موظفين ينحنون طاعة له ويقدمون الولاء مقابل الأموال التي يتقاضونها.

وتعرض ميثاق السلم الأهلي الفلسطيني الى محاولات تفكيك وتآكل بعد مراحل من الفلتان الأمني والعنف وفوضى السلاح التي هددت أمن المجتمع واستقراره، لأسباب أبرزها تلكؤ السلطة الفلسطينية في مواجهة فوضى السلاح وعسكرة المجتمع وعدم حسمها النهائي لهذا الأمر، إضافة الى عدم قدرتها على فرض سيادة كاملة للقانون وتنفيذها داخل أراضيها.

فصلاحياتها محدودة وفقاً لاتفاق أوسلو وتقسيم المناطق الى أ،ب،ج، وعدم قدرة السلطة على توفير الأمن للمواطنين بسبب تغليب التنسيق الأمني على حساب أمن المواطن وسلامته، أياً كان وأينما كان لعدم وجود استراتيجية عمل وطني موحدة على الصعيدين السياسي والأمني، وفي ظل غياب الدور الرقابي للمجلس التشريعي تم تغليب ثقافة الولاء للقائد وللحزب والحركة والجهاز الأمني على حساب الوطن أولاً وأخيراً، وتفشي الفساد والمحسوبيات داخل مؤسسات السلطة وأجهزتها الأمنية والتقاعس في ملاحقة الفاسدين والمفسيدين وكل من يعمل ضد المصلحة العامة.

سنوات حكم محمود عباس كانت كفيلة بتحويله الرجل الأوحد "أنا الدولة والدولة أنا"، محاطاً بدائرة كبيرة من أصحاب النفوذ والمصالح، لكن تبقى الأسئلة المطروحة صعبة من دون إجابات: هل يكفي فقدان عباس الشرعية لإخراجه من السلطة؟ ومن الذي سيقرر إنهاء دور الأوصياء على أوسلو؟ هل الشعب الفلسطيني هو الذي سيقرر ذلك؟ أم أن الشعب لم يقل كلمته الأخيرة بعد؟