زهيرة صباغ.. شاعرة البهاء والرونق الشعري 
تاريخ النشر : 2021-07-22 11:38

زهيرة صباغ شاعرة وأديبة وفنانة ورائدة من رائدات الحركة النسوية الفلسطينية وناشطة في حركة النساء الديمقراطيات، ومن الأصوات الشعرية النسوية الجميلة، التي غزت المشهد الشعري الثقافي في ثمانينات القرن الماضي. وهي والدة الفنانة الفلسطينية الراحلة ريم بنَا، ولدت ونشأت في الناصرة وتسكن فيها، وتحمل شهادة جامعية بموضوع الأدب الانجليزي. 

كتبت الشعر منذ الصغر، ونشرت بواكير قصائدها وتجاربها الشعرية في صحيفة " الاتحاد" وفي مجلة " الجديد " وفي الصحافة الفلسطينية في المناطق المحتلة " البيادر الأدبي، الكاتب، العودة "، وغيرها من المجلات والصحف المحلية والعربية، وتخفت طويلًا وراء القناع الابداعي، ونشرت قصائدها تحت اسم مستعار. 

عملت زهيرة موظفة في بلدية الناصرة، ثم انتقلت للعمل أمينة مكتبة " أبو سلمى "، وهي من مؤسسات جمعية "نساء ضد العنف"، وبالإضافة الى كتابة الشعر فهي مولعة بالرسم والتصوير الفوتغرافي، وقد صورت القرى الفلسطينية المهجرة المدمرة عام ١٩٤٨، واشتركت في الفيلم السينمائي "الصبار"، الذي يروي قضية فلسطين ومأساة اللاجئين والمهجرين من قراهم، فضلًا عن مشاركتها في عدة أفلام وثائقية. 

وفي العام ٢٠٠٩ كُرّمت في مكتبة أبو سلمى، وذلك تقديرًا لنشاطها ودورها الاجتماعي والسياسي والثقافي المنوع، وكذلك من وزارة الثقافة الفلسطينية اعترافًا بجهودها الرائعة كمبدعة ومناضلة وناشطة مجتمعية وسياسية. 

ولزهيرة صباغ 5 مجموعات شعرية، وهي: " زغب الحمام، كرمل الروح، في البدء كانت عشترت، أرجوانيات كنعان، وقمر تمور". 

زهيرة صباغ هي صوت البهاء الشعري والوجه الفلسطيني الحقيقي دون رتوش، نثرت حروفها النابضة بعبقها السحري، المعبرة عن مشاعرها الوطنية وأحاسيسها الأنثوية الإنسانية. 

قصائدها ترانيم وتراتيل عشق تتآلف وتلتقي بفكرتها ومضمونها وتناولها الجمالي، تحمل الهم الفلسطيني، تتغنى بالوطن وتنشد للحب، وتحكي عن الاسرى وسجناء الضمير والحرية، وتصور الواقع الفلسطيني بشقائه وبؤسه، وترسم الحياة الفلسطينية بكل تنوعها وغناها وجمالها. إنها تتنفس رائحة الوطن وعشق فلسطين بالعمق الى حد الثمالة، وقد شكلتها وصورتها شعرًا بشكل واضح وجميل وجلي، وبصورة قوية ومؤثرة، تسكن القلب دون استئذان. 

 

زهيرة صباغ تشحن قصيدتها بالدلالات والايحاءات والرموز الشفافة، تعابيرها مخملية وعفوية تعبر عما يجيش في أعماقها الأنثوية، وما يميز نصها جمال التعبير، وبلاغة التوصيل، وعمق الرؤية، وروعة الحضور، واللغة الناضجة التي تؤثر في مخيلة القارىء والمتلقي، فضلًا عن النغم المموسق المنساب كما الجداول، فلنسمعها وهي تخاطب ابنها فراس وهو خلف قضبان الزنزانة: 

 

اصرخ من قاع الروح 

يا كرمل الروح 

اجلب له بحر حيفا 

احضر له نسيم يافا 

يلطف برد زنزانته 

وحرها يا كرمل الروح 

 

  

 

كن حنونًا عليه 

فأنت أقرب مني اليه 

يا كرمل الروح 

انه وحيد 

يا كرمل الروح 

إنه روحي 

 

وما يجعل زهيرة صباغ شاعرة مميزة، عدم التصنع في الصياغة، واتقانها فن صناعة الكلمات، والابحار في مياه لغتنا الجميلة، وربطها بين الفكرة وماهيتها. 

وقد صاغت قصائدها بلغة شعرية خصبة وشاعرية متقنة، والوطن لديها هو الحب، والحب هو الوطن : 

 

عندما تضمني اليك 

يتلاشى الالتصاق 

أصبح قطعة منك 

أو .. تصبح 

جزءاً مني 

حبيبي 

ما نحن إلا 

إله واحد في أقنومين 

روح واحدة في جسدين 

ونحن 

عناق الآلهة المشطورة 

في الأسطورة 

 

زهيرة صباغ نموذج حي وساطع للمرأة الفلسطينية المناضلة على كل الجبهات الثقافية والأدبية والاجتماعية والسياسية، وشاعرة رقيقة متسمة بالروح الشفافة الناعمة الدافئة والبساطة الرائعة، تتقن مهارة الابداع وتكوين وصياغة الصورة الشعرية بتقنية فنية عالية، وتكتب مشاعر هواجسها وهمومها الوجدانية، بحسها المرهف، وتمزج الذات والعام في لغة سليمة واضحة في اسلوبية القصيدة الومضة الخاطفة المركزة بالتكثيف. 

تحية ود وتقدير لزهيرة صباغ سيدة الياسمين، التي تضطرم بالشوق، وصاحبة الكلمة السحرية العذبة، التي شقت طريقها الى الفضاء الشعري بتؤدة وكل ثقة، وأثبتت أن الابداع لا حدود له، وتقرض قصيدتها ببساطة عميقة تمنح الألفة بين النص والقارئ دون تعقيدات واعجاب، وتدغدغ مشاعر عشاق الشعر، ودام حضورها الساطع ويراعها الجميل الأنيق، والمزيد من غزارة العطاء والإنتاج.