قراءة في روايتنا بين الهزائم والنهضة
تاريخ النشر : 2021-07-28 13:35

تعرضت امتنا منذ عدة قرون لتحديات وجودية حاولت اقتلاعها واخراجها من عالم الوجود.. وكانت الدوائر الاستعمارية تكمل مهمة محاكم التفتيش والحملات الصليبية..

احتلوا ديارنا ومزقوا شعوبنا والغوا قوانينا وتقاليدنا وهمشوا لغتنا.. واستمر كفاحنا رغم قلة الامكانات في كل مكان مشرقا ومغربا لم نعترف بالهزيمة رغم اختلال موازين القوى وقدمت الامة نماذحا عملاقة انتصرنا وهزمنا في ساحات المعارك لننا لم ننهزم لحظة.. فكان صلاح الدين وبيبرس وكان الازهر وصمود عكا والامبر عبدالقادر وعمر المختار وعبدالكريم الخطابي..

وظلت شعلة الكفاح متقدة تنتظر من حين الى اخر من يحملها.. وعندما ادرك المستعمرون ان مصيرهم الزوال من بلاد العرب والاسلام صنعوا في مختبرات الاستشراق ثقافات وديانات وقيما .. وقذفوا بها في مجتمعاتنا الموحدة حول لغتها وثقافتها وتراثها.. الان ان ضمير الامة لم يمسه لغوب وظل صافيا كلما ناداه منادي الكفاح.

الا انهم نجحوا في اثارة الفتن القومية العرقية التركية والعربية والكردية وسواها فاستنزفت الامة وتمزقت اواصرها وبنت بينها الحواجز العرقية ثقافات ونشأت احزاب وايديولوجيات فتعمقت التجزئة واحبطت النهضة.

ظهر في امتنا تيار التجديد والتنوير للرد على الجديد من التحديات وبجواره ظهر تيار التحرير الوطني وقدمت الامة نماذجا مبهرة على المستويين فكان جمال الدين الاافغاني وعبده ورشيد رضا والثعالبي وطاهر بن عاشور وابن باديس عناوين تجدد الاسلام وتحديده.. كما كان الخطابي وعبدالقادر الحسيني وامين الحسيني وعز الدين القسام وابن مهيدي وزيروت يوسف ورفاقهم عناوين اقدام قل نظيرهم في العالم.

بعد ذلك فتحت على الامة ابواب جهنم الاختلافات الايديولوجية الثقافية حول تصور المجتمع والدولة وكان الاستقطاب حادا بين القومي بعناوينه المختلفة والوطني واليساري بمدارسة المتعددة والاسلامي بشتى اجتهاداته وبلغ التطاحن مداه واستنزفت طاقة الامة وقدراتها واوقاتها وفي غيبوبة قاتلة تمكن العدو من توسيع قاعدته المركزية في فلسطين.

فشلت الدولة الوطنية التي اصبحت قدر بلدانان في بناء المؤسسات والمجتمع والاقتصاد.. ورغم انها استوردت من الايديولوجيات المجاورة افكارا ونظريات الا انها في النهاية انتهت الى حالة من التصدع العنيف تحميها قوة الدبابة اكثر من الفكرة.. كما ان المضمون الفكري للدول الوطنية اثبت عجزه وغيابه عن تطاحن الصراع الحضاري فلقد استبدلنا المشاريع بالشعارات المشحونة الاقضائية.. فشل المضمون الايديولوجي القومي البعثي والناصري والذي اوصل مصر وسورية والعراق حيث قلب الامة الى ما يشاهده ويعيشه الجميع نبكات ودمار وخسارات فادحة ترافقت مع صراع طاحن ضد الخصوم الفكريين.. وفي اليمن كان اليسار تجربة للفقر والانغلاق كما ذهبت انظمة البترودولار بالدولة الى ارتباط عضوي بالمستعمر..

الان نحن امام تحديات تريد ان تعصف بالقليل الذي بقي لنا .. تحديات تهدد دولتنا الوطنية الهزيلة المتخلفة.. لان الهدف الاستعماري يتطور الان وهو قد اعتمد وسيلة الفوضى الخلاقة وهذا يعني تفتيت الدولة الوطنية الى اثنياتها العرقية والطائفية والمخطط الاستعماري يسير بثبات وتتقدم في المشهد اطراف عربية لتكون الدليل للهجمة الاستعمارية الصهيونية باقتحام السوق والمواقع والامن العربي.

اين يقع الاسلاميون في المشهد؟

عليهم ما على سواهم من كوابيس التخلف والسذاجة.. لقد اجادوا في نشر فكرتهم الثقافية واعادة الشعائر والثقافة الاسلامية واصبحوا بذلك اكبر تيار سياسي اجتماعي في الامة.. وبلا شك استطاعوا ان يشكلوا الجدار الاخير في الامة يحولون دون سقوطها.. لكن هذا الواقع طور طموحهم لكنه لم يطور تصورهم ورؤيتهم.. كبر الطموح وهم يرون الامة تسير خلفهم حيث كشفت الوقائع ان اي انتخابات تجري حتى لو نقابة الفنانين فسيكون الفوز لهم.. فاصبح الطموح لديهم مبررا ان يتقدموا الى راس المجتمع والحكم بعد ان كان معروفا عنهم انهم لايبغون حكما ولايهمهم من يحكم انما بما يحكم.. واصبحوا قوة سياسية تبحث عن موقع الصدارة.. الا انهم لم يتعلموا فنون السياسة ولا اشتراطاتها ولم يتاهلوا لخوض غمارها وغاب عنهم ان ولوج الحكم لقوة اسلامة يعني انها دخلت المواجهة الواسعة مع المشروع الاستعماري الذي قرر سقوط النظام السياسي الجامع للمسلمين منذ اصرارهم على اسقاط الخلافة العثمانية بقرار عالمي..

لم يستطع الاسلاميون القفز الى مستوى الحكم لان ذلك يحتاج الى نفسيات مختلفة وعقليات مختلفة ومنطق مختلف.. كانوا يجيدون صراخ الضحية و نبرة المعارضة لكنهم لم يتزودوا بدهاء السياسة وذكائها وخطاب القيادة.. فوقعوا في دوائر الفوضى .. فعندما تغيب الدراية والوعي والفهم الاستراتيجي يحل محله الانتهازية والالتواء والتنازلات من اجل الحفاظ على النصر الموهوم.. وهنا اهتم الاسلاميون بادارة ازمات الحكم ولم يهتموا بقضايا الامة الاستراتيجية ولم ينتبهوا الى عناصر الاشتباك الرئيسية مع المشروع الاستعماري.

فاخطاوا اخطاء قاتلة تجاه امتهم وشعوبهم عندما لم يكونوا معبرين عن ضميرها وطموحها.. وصلوا الحكم فتبخرت كل شعاراتهم الجميلة التي كانت سببا في تضحياتهم وتعاطف الناس معهم.. وصلوا الى الحكم فغابت فلسطين من خطابهم وغاب الاسلام من عناوينهم وابدوا من التنازلات في المباديء والاستراتيجيا ما سجل خسارتهم الكبرى.. كانوا يديرون ازمة ولا يفتحون طريق الانتصار للامة.. كما انهم وقعوا في دائرة تحالفات اقليمية ودولية مشينة.. وسجل عليهم انهم اسهموا في فوضى الدم في سورية وتناغموا مع مشاريع اقليمية مشبوهة.

الان نقف جميعا امام الحقيقة ان التيارات السياسية الكبرى في الوطن العربي مجللة بالهزائم والخيبات.. ففضلا عن تنازعها وصراعها الداخلي فهي تتحمل وزر نبكاتنا بضياع فلسطين وتدمير مجتمعاتنا فيكيفي ان نسجل حجم خسارتنا في العشرين سنة الفائتة ملايين العرب ماتوا وملايين شردوا وعواصم دمرت واقتصاد بعثر..

فهل تكون تجربة تونس هي بداية رد الايقاف الاستراتيجي للانحدار..؟ كانت تونس شعلة التحرك الشعبي العربي الذي تم حرفه.. فهل يستطيع التوانسة تقديم نموذج حضاري في الخروج من الازمة الراهنة التي تحاول اطراف اقليمية دفعها الى تفجير تونس وقتل النموذج المتوقع.

ان موضوع تونس بما تخبرنا به الجغرافيا السياسية وعبقرية المكان يقدم لنا املا ضروريا في مرحلة صعبة نعيشها على كل المستويات.. وقد يكون للارث الثقافي في عميق الوجدان التونسي اثر بالغ في انجاح المهمة التاريخية بفرض التعايش بين الاتجاهات المختلفة ..

نحن العرب نحتاج تجربة ناجحة لتكون قدوة.. حتى الان تونس تحمل مشعل المبادرة ونجاح تجربة تونس هو نجاح بالغ للامة اما اي انحدار نحو الاقصاء والتهميش لاي طرف يعني اننا سنرتمي مرة اخرى في وهدة جديدة من الانكسار.