تونس.. هل على الطريق الديمقراطي؟
تاريخ النشر : 2021-07-28 13:43

منذ حصول تونس على الاستقلال الوطني من فرنسا الاستعمارية عام 56 من القرن الماضي وهي أكثر تأثرا بالفكر العلماني حيث أن تركيا الكمالية" نسبة إلى مصطفى كمال" التي دارت ظهرها للشرق مقتفية الحياة الأوروبية بكل مظاهرها من استبدال حروف اللغة التركية التي تكتب بالابجدية العربية إلى الحروف اللاتينيه إلى خلع الطربوش احد رموز دولة الخلافة العثمانية بالقبعة الأوروبية كانت هي الوجهة التي طبعت الحياة السياسية التونسية.

برئاسة الحبيب بورقيبة الذي استمر فترة طويلة في الحكم كانت فيها تونس أكثر بعدا من غيرها من بلدان المغرب العربي عن التفاعل مع الفكر القومي العربي والفكر الإسلامي السلفي غير أن في عام 2011 برزت كدولة عربية مغربية تقود أحداث المنطقة العربية وكانت حادثة حرق البوعزيزي لنفسه الشرارة التي فجرت ثورات ما سميت بثورات الربيع العربي التي انطلقت لإسقاط أنظمة الفساد الاستبدادية وتعميم الديموقراطية

 لكنها انحرفت عن هدفها لتفسح المجال لتيار الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة السياسية مما سبب في الفوضى السياسية التي تعاني منها بعض أقطار المنطقة و أن ما يجري في تونس في حقيقة الأمر هو مرتبط بالحالة السياسية التي استقر بها النظام السياسي التونسي حيث هيمنة أعضاء حزب النهضة الإسلامي بقيادة الغنوشي على الأغلبية في مجلس النواب مما أوجد تعارضا في المواقف والسياسات بين مؤسسة الرئاسة وبين الحكومة فكانت قرارات الرئيس قيس سعيد بمثابة انقلاب على تيار الإسلام السياسي.. لقد كان الصدام متوقعا بين المؤسسة الرئاسية وبين حزب النهضة للعودة بتونس إلى العلمانية باعتبارها التيار الذي سارت عليها الدولة الوطنية التونسية منذ الاستقلال

 غير أنه جاء هذا الصدام ليعطي دورا للجيش في النزول إلى الشارع لمساندة قرارات الرئيس والطلب بمحاكمة راشد الغنوشي وخروج جماهير كثيرة ابتهاجا لذلك وهو ما يشكل مؤشرا بعودة العسكر في المستقبل ليمارس دورا في الحياة السياسية الأمر الذي يجب الحذر منه لانه من واقع التجربة ليس هو الطريق الصحيح دائما لحماية الديموقراطية فقد يحدث من قبل العسكر احيانا التفافا على أهداف الثورة الشعبية وإنتاج نظام حكم عسكري استبدادي آخر كما جري في السودان حين تم الإطاحة بنظام البشير الاستبدادي العسكري وإبعاد تجمع المهنيين الذي اشعل شرارة الثورة الشعبية وقد أعقب ذلك تولى الفريق الأول عبد الفتاح برهان زمام نظام الحكم الذي ارتمي في أحضان واشنطن وعقد اتفاقية تطبيع مع إلكيان الصهيوني ...

من واقع التجربة أيضا إعادة إلى الأذهان ما حدث في ثورة ٣٠ يونيو في مصر بإنهاء نفوذ جماعة الإخوان المسلمين وعزل الرئيس محمد مرسي وكان ذلك بمساهمة الجيش والملاحظ حتى الآن أن الأوضاع السياسية في مصر لم تتغير كثيرا عما كانت عليه في عهد المعزول مرسي فما زالت مصر مكبلة باتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني وكأن من المؤمل ان يعيد النظام دور مصري القومي عما كان عليه في عهد عبد الناصر ولكن ذلك لم يحدث....

 الذي نريد الوصول إليه ليس الرغبة في استمرار فاعلية تيار الإسلام السياسي في المنطقة والسعي الحثيث من قبله للاستيلاء على أنظمة الحكم وقد عرف عنه تاريخيا معاداته للأنظمة الوطنية والفكرة القومية العربية والميل للتكيف مع سياسات الغرب الرأسمالية

ولكن َما نريد الوصول إليه حقيقية هو أن تدخل الجيش كأداة من ادوات التغيير في الحياة السياسية هو إجهاض للثورة الشعبية المستقبلية فعهد الانقلابات العسكرية الوطنية في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي ضد الأنظمة الملكية والرجعية العربية قد ولى وقد كانت الضرورة السياسية والوطنية في ذلك الزمن تستدعي ذلك بسبب استمرار النفوذ الاستعماري الغربي وعدم الحصول على الاستقلال الوطني الكامل وكذلك ضعف الأحزاب والقوى السياسية على القيام بدور التغيير المنشود..