خريف النهضة التونسية
تاريخ النشر : 2021-08-01 07:33

منذ أن أقدم البوعزيزي على إضرام النار في جسده احتجاجًا على مصادرة عربته التي يبيع عليها ويكسب رزقه منها على يد شُرطيّة في ولاية سيدي بوزيد- وكم من شرطيّ مثلها في أوطاننا- والتي أشعلت شرارة الثورة التونسية تعاطفًا مع ابنها محمد البوعزيزي، ورفضًا للقهر والعوز حيث سادت البطالة، فهبَّ الشعب التونسي ثائرًا على التردّي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي دون عبث في مقدّرات الدولة، فكان شعار ثورته الياسمين تعبيرًا عن ثقافته وتجسيدًا لأهداف ثورته، إلا أن السطو الثوري كان للتونسيين بالمرصاد واستُبدل الثوار بالسّاطين، وانحرفت الثورة عن مسارها، وتبدّد الأمل باجتناء ثمرة الثورة، ودخل التونسيون مرحلة الانفصام عن الوطن والدولة بقيادة النهضويين وأحالوا الياسمين إلى مسار آخر يحمل شعار الثورة والثورة المضادة ومن ليس معي فهو ضدي.

فسيطر الجمود السياسي عبر مرحلة الرئاسات الثلاث والذي أدّى بالضرورة إلى انهيار الاقتصاد وسوء الخدمات ومزيدًا من الشّقاق والانشقاق وأصبح المراقبون ينتظرون لحظة إعلان إفلاس الدولة التونسية وانهيارها، إلا أن الرئيس التونسي الدكتور قيس سعيّد المختص بالقانون الدستوري، والذي لم يأت من الدولة العميقة، وليس له حزبًا ولا تيارًا في الشارع التونسي ليركن إليه ولكنه ارتكز على الحسّ الوطني والوعي الحزبي والشعبي، ففاجأ العالم بقرارات وضعت حدًّا لمرحلة التردّي السياسي الذي ساد البلاد وأظهرت حرصه على وطنه ودولته من الانهيار والسقوط، ووضع الجميع على المحك وخاصة النهضويون سائلًا الجميع تونس إلى أين؟ هل تنطلق نحو البناء والتعمير أم الخراب والتدمير؟ إنَّ ما جرى في تونس من قرارت حيّدت نهضة تونس عن المشهد السياسي وأوقفها أمام الإجابة الحتميّة عن سؤاله السابق، يثير تسائلًا للنهضويين في العالم العربي.

 لماذا تلاشت نهضتكم في مصر والسودان وليبيا وتونس إلى أن حطّ رحال نهضة المغرب بالتوقيع على اتفاقية التطبيع مع الاحتلال، وعلى كل الأحوال فإن موقف الرئيس التونسي ينفي التذرع وتعليق الفشل على الدولة العميقة وتياراتها وأحزابها، إن فشل حركات النهضة في أقطار مختلفة في العالم العربي يؤكد على أن نجاح أي نهضة يتطلب الانصهار والتماهي مع الشعب والدولة على أنهما شيء واحد، لا يجب الفصل بينهما ولا التمايز عنهما، ولا السطو الثوري عليهما، بل يجب النزول من البروج المشيّدة، والتخلي عن الأفكار والرؤى النرجسية.

علاوةً على ذلك التخلي عن نهج التمسكن لأجل التمكّن، ويتطلب تقديم سلوك عملي قُديَوي والابتعاد عن الشعارات المُصمتة الصفوانية التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، فالشعوب تتطلع إلى تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة، ولا تنتظر تغيير مسميات الفساد والفاسدين، إنَّ مشاهد فشل حكم حركات النهضة يُحتّم على نهضة فلسطين استخلاص العبر وعدم إهدار الوقت لتصحيح المسار قبل فوات الآوان .