في ذاك اليوم تم غزو الكويت
تاريخ النشر : 2021-08-02 14:08

في ذاك اليوم... كنت والأخ وليد القدومي، ود.ابراهيم خريشي (السفير حاليًا في سويسرا) قد تزاملنا في أحد الضيافات في مدينة تونس الجميلة بشعبها المعطاء وأرضها الثرية ونظافتها ونظامها الانساني، وكان لنا مجموعة من الفعاليات المرتبطة بالعلاقة بين الكوادر الطلابية في اتحاد الطلاب والفعاليات الحركية العامة (حيث كنت عضوًا في لجنة الاقليم لحركة فتح بالكويت آنذاك)، وبين المؤسسات الحركية والوطنية في تونس مقر القيادة الفلسطينية تلك المرحلة.

لم ننفك نلتقي مع عدد من القيادات الفلسطينية وكان منهم الاخ السفير (حينها) الشهيد حكم بلعاوي عضو مركزية الحركة، الذي كان شديد الحفاوة الى الدرجة التي دعانا لعزومة (وليمة) عربية دسمة جدًا لم نكن لنحظى مثلها في أحلامنا أولًا، وثانيًا لم نكن نحن فقط المدعوين فيها، وإنما عدد كبير من القيادات الفلسطينية، والحقيقة أن الدعوة كانت للاخ أبوعمار وما نحن حينها الا حضورملحقٌ في حضرة القائد العام، والذي نفترض أننا كنّا سنستغل الوليمة لمحادثته ما لم يحصل! إذ غيّرالاخ أبوعمار برنامجه كما هي عادته، لكننا كسبنا الوليمة وتناول الطعام بهدوء مع الحضور.

عشنا فيها من السنين الكثير قبل أن يشيب منّا الشعر، أو بالأحرى ما تبقى من الشعر، وتنتفض فينا الذاكرة على ما اختزنته من مفاهيم قومية أو شمولية أو تاريخية...عشنا في الكويت مراحل الطفولة والصبا والشباب فكيف بالله عليكم ترون الأمور في ذاك اليوم الذي غزا فيه النظام العراقي السابق دولة الكويت !

(في ملاحظة حول الشعر الأشيب للحلاق الخاص بي عندما كنت أقيم في بيرزيت للعام 2002 قال أنني قد شاب مني الشعر خلال 10 أيام بنسبة مئة بالمائة مقارنة مع الحِلاقة السابقة! ولم يكن يعلم أنه خلال هذه الفترة كان الاحتلال الصهيوني قد قتل أخي البطل عمار ابوبكر وهو يقاوم الاحتلال في وسط جنين برشاشه وزملائه، وكان قد اعتقل أخي الآخر من نابلس وهو القائد الأسير ياسر أبوبكر... فاعلمته بذلك فأقر هذا الربط)

كنّا أنا ووليد في زيارة عمل لتونس، وتلقيت اتصالًا من الكويت في صباح ذاك اليوم الأسود في تاريخ الأمة العربية والقضية الفلسطينية، تعلمني زوجتي بهذا الاتصال بغزو النظام العراقي السابق للكويت....فذُهلت! ثم انقطع الاتصال!

يضجّ العقل بالتفكير حينها ما بين الشخصي الخاص، وما بين العام. وتتذبذب الأفكار والمواقف بين فكر الوحدوية الجبرية والوحدة الطوعية وضرورتها من عدمه، وما بين الصراع المحتدم بين المعسكر الاشتراكي الذي كان قد بدأ يلفظ انفاسه وبين النظام الرأسمالي الذي بدا يعلن انتصاره! وما بين تعقد الأمور المحيطة بالقضية الفلسطينية والثورة الفلسطينية وكأننا قد توقفنا عن التعقيد أو المرور من المنعطفات الحاسمة أوأعناق الزجاجات أو الأنفاق المظلمة حتى اليوم!

لا أظن أن مثل هذه الأفكارالنضالية القومية أو العالمية كانت تشغل بالي آنذاك، ولربما بالحقيقة، تكون فقط وليدة لحظة كتابة هذا المقال اليوم، أما لماذا اليوم بعد 31 عامًا وليس قبل ذلك فلا أدري!

بالطبع كان العجب والاستغراب، بل والاستهجان وعدم التصديق هو ردّة الفعل منا آنذاك في آلية رفض فكري ومنطقي لاعتداء دولة عربية على أخرى، وهو ما كان من شأن المفكر خالد الحسن وصلاح خلف كنموذجين، ولا سيما وأن جزء من شخوصنا نحن أو ذواتنا قد تشربت الشيء الكثير في مرحلة معيشتنا الزخمة بالكويت حيث التواصل والتواد والصراع والعطاء ضمن مساحة متاحة للفعل الناجز تحت رعاية حكومية وشعبية امتلكنا فيها الحرية والديمقراطية، على عكس ما كان قائمًا في ظل النظام العراقي السابق، أو في ظل أنظمة استبدادية أخرى رفعت لواء فلسطين والوحدوية أو الاشتراكية، وكانت تفترض تشبهها بالانظمة الاشتراكية "التقدمية" لتأخذ من تلك الأنظمة الاستبداد علمًا ترفعه، وتلقي بالزبالة كل خيرات الاشتراكية الممكنة.

غزت الدبابات يوم 2/8/1990م دولة الكويت في خرق لقواعد الأخوة العربية وفي خرق للمواثيق الدولية وبآلية العودة لمنطق الاحتلال، وشريعة الغاب ما جعل من المقارنة بالاحتلال الإسرائيلي مفهومة عند الكثير، وما جعل رفض منطق الاحتلال بحد ذاته مسوغًا للرفض للغزو، حتى في مواجهة دُعاة الوحدة العربية الذين افترضوا العملية العسكرية أو الجبرية القسرية مدخلًا لتحقيق الوحدة! ما لم يكن أصلًا باعتقادي في ذهن النظام الغازي.

في ذاك اليوم المشؤوم في مسيرة الأمة العربية تم دق أكبر مسمار في نعش فكرة (الوحدة العربية) بل و(المودة) العربية! وبدأ الجسد العربي ينقسم ويتفتت، وينحشر في زاوية الإقليمية الضيقة بعيدًا عن الأفكار ذات الحضن الشمولي، ليس لأن الفكرة الوحدوية في مواجهة العدو الرئيس للامة العدو الصهيوني فكرة فاسدة، وإنما لأن دُعاتها وطرق تعاملهم مع الفكرة كانت طرقًا استبدادية عدوانية حزبية نزقة لم تأخذ على سبيل المثال النماذج الحديثة الناجحة كما حال الوحدة الأوربية.

هناك أيام نتمنى ألا تكون قد مرّت على الشعوب وعلى الدول، وخاصة شعوبنا ودولنا، ولكن الله غالب كما يقول التوانسة أحبائنا، منها مثل هذا ذاك المشؤوم الذي غيّر -كما كثير مثله من التواريخ- مجريات عديدة عكست نفسها علينا كقضية وأمة وحضارة.