«يُلبسون قانون ساكسونيا ثوب العفة»
تاريخ النشر : 2021-08-02 21:04

قانون "ساكسونيا " وهو قانون ابتدعته حاكمة مقاطعة ساكسونيا، إحدى المقاطعات الألمانية القديمة في العصور الوسطى في القرن الخامس عشر الميلادي والتي كانت قبل الوحدة الألمانية إحدى أهم ولايات جمهورية ألمانيا

كانت ولاية مزدهرة تجاريًّا بفضل الطبقة الكادحة من عامة الشعب من الفقراء الذين كانوا يعملون تحت إمرة طبقة النبلاء الأغنياء المالكين لزمام الأمور سياسيًّا واقتصاديًّا في الولاية.

مجتمع استطاع أن يحمي نفسه بنفوذه ويغرد طليقًا بعيدًا عن سلطة القانون، إلا أنه كان قانونًا واقعيًّا حقيقيًّا لم يكن افتراضيًّا، وإليكم أصل هذا القانون العجيب

دواعي سن قانون "ساكسونيا "  كان نبلاء ولاية ساكسونيا يرون، أنهم طبقة مختلفة عن المواطنين العاديين الكادحين من عامة الشعب من الفقراء الذين كانوا يعملون تحت إمرتهم، فهم الطبقة ذات التأثير الأقوى والنفوذ والجاه والسلطة، مما جعل مشرعي القوانين من هذه الطبقة يشرعون قانونًا خاصًا يعطي كل طبقة قدرها، يعاقب اللصوص والمجرمين من كلتا الطبقتين: عامة الشعب الفقراء، والنبلاء الأغنياء دون تمييز، وبذلك تتحقق العدالة.

فإذا كان المجرم من طبقة عامة الشعب الفقراء قاتلًا فيؤتى به في وضح النهار وينفذ فيه حكم الإعدام بقطع رقبته وسط جمع غفير من الناس، وكذلك السارق أو المحكوم عليه بالجلد، فيجلد بنفس الطريقة أمام جمع من الناس ليعتبروا، وإن كانت العقوبة السجن فيسجن.

ولكن ماذا كان يحدث في حالة النبلاء إذا كان المجرم من طبقة الأغنياء النبلاء فإن قانون ساكسونيا كان ينص على أن تنفذ العقوبة على ظله لأنّ ظلّه هو من يُحاكم ويُزجّ بمحاكمة صوريّة وراء القضبان بحيث يُؤتى "بالنبيل المجرم" حين يستطيل الظّل بُعيد شروق الشمس أو قُبيل مغربها، فيقف شامخاً منتصب القامة، مبتسما، ساخراً من الجلّاد الذي يهوي بالفأس على رقبة ظلّه أو يجلد ظله حسب الحكم وإذا كان محكومًا عليه بالسجن فإنه يدخل السجن من الباب الرئيسي ويخرج في الوقت ذاته من باب مخصص للنبلاء بحضور جمهور "الرّعاع" الذي يصفّق فرحاً بتنفيذ العدالة

هذا هو قانون ساكسونيا، لا تستعجب، العالم الآن ونحن في القرن الواحد والعشرين مليء بقوانين سكسونية، ولكن بأسماء جديدة تواكب العصر الجديد خاصة في الدول المتخلفة التي تعمل وفق نظام سياسي عفن عصرنة قانون ساكسونيا وألبثته ثوب العفة والعدالة المطرز بالخروقات و التغول على القوانين سن والغاء قوانين  لضمان مستقبلهم هم وأولادهم وحاشيتهم وبقاء عروشهم المخمليّة الواهية يستخفّون بكرامات النّاس، وآمالهم، وأحلامهم، وينسجون لهم من خيوط الخداع وطناً من سراب؟

 قانوناً يجرّم الفقير لفقره ويتجاوز عن الغنيّ لغناه؟ أليست ساكسونيا الحديثة تلك التي يكون فيها الزعماء فوق العدالة، وفوق القانون، وفوق الشبهات قضاءً ساكسونيا ذاك القضاء الذي يسجن سارقاً دفعه العوز والجوع إلى السّرقة ويترك كبار اللصوص دون حسيب أو رقيب ينهبون أموال الشعب ليلاً ونهارا أليس قضاءً هشّاً، وضعيفاً، وتابعاً، ذاك الذي يعجز عن محاسبة الجناة، وكفّ أيدي المعتدين؟

أليست دولة ساكسونيا  تلك التي يحكم فيها أمراء الحرب، المقامرون، تجّار المال والدّم الفارغون، ويُهمش فيها المفكرون والمبدعون، ويُسجن الأحرار، وتُعتقل الحريّة، وتُشترى الصحافة، ساكسونيا القديمة لم تزل تستوطن عقول الكثيرين فكراً بدائيّاً ولم تزل تتربّع على قوس القضاء حكماً سلطويّاً استبداديّا ظالماً قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة) فالعدل أساس الملك.

ما أشبه هذا القانون البائد بما هو سائد عندنا من قوانين، وما أعظم الفرق بين شعوب كان يحكمها قانون ساكسونيا لكنّها استيقظت وناضلت للوصول إلى العدالة، ولاية ساكسونيا الآن من أهم ولايات ألمانيا ازدهارًا، وتتمتع بأعلى نسبة نمو اقتصادي بين ولايات ألمانيا، ذلك نتيجة سيادة القانون، والعدالة الاجتماعية.