الربيع الثاني في تونس "يتحمّص" على نارٍ هادئة
تاريخ النشر : 2021-08-04 17:16

تونس الخضراء أوّل الربيع العربي، عندما اندفع الشعب التونسي "المُسالم" الحضاري في مظاهرات عارمة انتصارا للشاب محمد ال"بوعزيزي"، الذي أحرق نفسه يوم ااجمعة، 17 ديسمبر 2010، أمام بلدية سيدي بوزيد، احتجاجا، نتيجة ظلم "شرطية" من بلديّة مدينته، فادية حمدي، صفعته أمام الملأ بعد أن قلبت "عربيّته الكارو" وبعثرت محتوياتها من الفواكه والخضروات، مصدر رزقه وقوته وعرق يديه وجبينه، و"مسحتها" بالأرض.

ولم يستجب ولم يستمع لشكواه أحد، "والشكوى لغير الله مذلّة!!!". 

وتوالت الأحداث سريعا واشتعلت "مثل النار في الهشيم"، بعدها بأيام ظهر الرئيس التونسي الأسبق "زين العابدين بن علي" على شاشة التلفاز التونسي وهو "يرتجف" ويُردد "كالروبوت":

 "توّا فهمتكم .. توّا فهمتكم!!!".

ولكنّه فهمهم، أي فهم الشعب التونسي، مُتأخّرا ومُتأخّرا جدا، وبعد أن "دخل السبت في مؤخّرة اليهودي!!!"، كما يقول المثل الشعبي.

وهذه المرّة كما سابقتها، وبعد عشر سنوات من "التجربة الثوريّة"، تتوالى الأحداث سريعا ومُتسارعة، يلهث الحدث التالي في عقب الحدث السابق.

فقد شرب الرئيس قيس سعيد من حليب السباع، وأقال حكومة المشيشي و"كربج" البرلمان لمدة شهر، من الأكيد أنه سيتمدد إلى شهرين وثلاثة، على غرار ما يجري في دول العالم الثالث.

وألغى الحصانة البرلمانية عن جميع النوّاب، ليفتح الباب على مصراعية لإمكانية إعتقالهم ومحاكمتهم بتهم الفساد وغيره.

أتساءل هنا هل ما قام به الرئيس التونسي قيس سعيد يشبه في تجلّياته ما كان قد قام به الرئيس السيسي في مصر ضد الرئيس مرسي وضد حكم الإخوان، فالمُستهدف الرئيس من إجراءات قيس سعيد، في هذه الحالة، هو الغنوشي وحُكم الإخوان في تونس؟؟

وهل هناك أي سند أو مصداقية لتدخّل الأصابع الإماراتية الطويلة الطائلة في الجسد التونسي "الرخو"، حسب ما قيل ويُقال؟؟!!

الصحيح والذي لا يرقى مجالا للشك أن غالبية الشعب التونسي قد ملّ من أوضاعه السياسية والإقتصادية ومن موجة جائحة الكورونا التي تضرب تونس بقوّه لتُحيلها على رأس الدول المُتضرّرة من الجائحة في الفترة الأخيرة.

الشعب التونسي شعب واعٍ مثقّف مُتعلّم مُتنوّر "مسالم" بطبعه، يحب الحياة والإنطلاق، وقد كان "ثار" على الأصفاد والتقييدات المُكبّل بها في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وخاصة تحكّم زوجته ليلى الطرابلسي وعائلتها بمقدّرات البلاد وخيراتها.

لكن الشعب التونسي وجد نفسه بين عشية وضحاها، بين أمس وغدٍ، بين "حانا ومانا"، "مُكبّلا" بالثورة وانجازاتها وسياسيّيها الذين لم يبتعدوا كثيرا عن سياسات الحزب الحاكم السابق وعن سياسات وتقييدات النظام السابق!!!

فهل سيُعلن الشعب التونسي ثورة مُستمرّة ويتمترس في خيام في الشوارع على غرار ما حصل في ساحة التحرير في القاهرة، ليحمي انجازات ثورته من "ثعالبها"؟؟!!

ربما الإجراءات الأخيرة التي قام بها الرئيس قيس سعيد، ولاقت استحسانا ودعما شعبيا، تأتي في إطار بداية وتجلّيات الربيع العربي الثاني في تونس والذي "يتحمّص" على نارٍ هادئة".