في انتظار دور أمريكي مختلف
تاريخ النشر : 2021-09-16 12:33

بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو (أيار) الماضي سادت حالة من التفاؤل أو التوقع بأن يكون تدخل الولايات المتحدة، الذي تم سريعاً لإعادة الهدوء، فاتحة خير لمرحلة جديدة تشهد عودتها لدورها التقليدي الذي ظلت تلعبه طوال العقود الماضية كوسيط للسلام. غير أن الحرب انتهت ولم تعد أمريكا، فضلت الابتعاد والاحتفاظ بمسافة محسوبة عن القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا.

وعقب انسحابها من أفغانستان تجددت توقعات مشابهة بعودتها إلى منطقة نفوذها التقليدية القديمة بعد أن تخففت من أعباء أطول حروبها الخارجية، إلا أنه لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى حدوث ذلك قريباً.

الابتعاد عن أزمات الشرق الأوسط وحروبه أصبح خياراً استراتيجياً أمريكياً سواء كان الجالس في البيت الأبيض جو بايدن الديمقراطي أو دونالد ترامب الجمهوري. وما لم تحدث أزمة حقيقية أو مواجهة عنيفة تهدد باشتعال المنطقة لن تتدخل أمريكا.

قائمة أولويات بايدن لسياسته الخارجية لا تشمل الشرق الأوسط. لكن ما غاب عنه، وفقاً لتعبير مجلة «اطلانتك» الأمريكية، هو أن ابتعاده يجعل مهمة بلاده أصعب في كسب المعركة مع الصين أو ما تصفه بالمنافسة الاستراتيجية معها. وفي تقرير بعنوان «كيف تربح أمريكا الشرق الأوسط» تقول المجلة إن هذه المنافسة لا تجري في الفراغ الكوني ولكن على الأرض. والشرق الأوسط إحدى ساحاتها الكبرى والمهمة.

خلال العقد الأخير، ومنذ أن بدأت أمريكا تتراجع تدريجياً عن التورط في قضايا المنطقة، ظلت الصين تتقدم بهدوء. ونجحت في نسج شبكة واسعة وضخمة من العلاقات مع بلدانها، بما فيها الدول الحليفة لأمريكا. بل نجحت بمهارة في تطوير علاقات تعاون اقتصادي واسعة بين أعداء ألداء مثل إسرائيل وإيران ودون أن تنحاز لأحد منهما.

المفارقة هنا هي أن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، لاسيما في الخليج، يصب في صالح الصين حيث يضمن الاستقرار الأمني، وبالتالي استمرار تدفق الصادرات النفطية التي تعتمد عليها. وبقدر ما تسعى الصين لاستغلال الفراغ الذي تتركه واشنطن، تحرص على عدم التورط في صراعات وأزمات المنطقة، تاركة هذا المستنقع لمنافستها. تتحرك بكين بمهارة وذكاء وهو ما لا تجيده واشنطن في أحيان كثيرة.

تضرب مجلة «أطلانتك» مثلاً على افتقاد التحرك الأمريكي للذكاء بالمبادرة التي طرحها الرئيس بايدن على قمة السبعة في أول مشاركة له فيها العام الحالي. تحمل المبادرة اسم «بناء عالم أفضل» لتطوير البنية التحتية. وتركز على مشاريع مواجهة التغيرات المناخية، والصحة، والتكنولوجيا الرقمية، والمساواة بين الجنسين، والعدالة. خلت المبادرة من أي إشارة إلى بلدان الشرق الأوسط، أو تعهد بأن تشملها تلك المشاريع على الرغم من أن هذه الدول في أشد الحاجة لمساعدات من هذا النوع. خاصة وهي تعاني من ضعف وتعثر جهود التنمية، وارتفاع معدلات البطالة، وزيارة التصحر، ونقص المياه، وغياب المساواة بين الجنسين. وكلها أزمات وقضايا تغطيها المبادرة.

لا يتذكر بايدن الشرق الأوسط في الظروف العادية. كانت أمامه فرصة ذهبية لمد مظلة مبادرته إلى المنطقة التي أرهقتها الأزمات والصراعات لكنه لم يفعل، رغم أن مشاريعه المطروحة تستهدف الدول النامية، وتسعى لتقليل الفجوة التمويلية لتطوير البنية التحتية لديها التي تقدر بنحو 40 تريليون دولار حتى 2035.

ما لا تفهمه إدارة بايدن، أو بتعبير أكثر دبلوماسية، لا تريد الاعتراف به، هو أن الابتعاد عن صراعات المنطقة لا يعني هجرها أو التخلي عنها أو تجاهل أزماتها وقضاياها.

ليس ضرورياً أن تخوض أمريكا حروباً أبدية هنا لكن يمكنها القيام بدور تنموي، وطرح مبادرات مماثلة، والاعتراف بأن التنمية وليست الحرب هي أفضل وأقوى ضمانة للاستقرار. جربت أمريكا التدخلات العسكرية وفشلت في إحلال السلام والاستقرار، فلماذا لا تسلك طريق التنمية الاقتصادية والشراكات التي تعود بالخير على شعوب الشرق الأوسط؟ الصينيون ساروا على هذا الطريق منذ البداية، فمتى يهتدي إليه الأمريكيون؟