فشل مؤتمر التطبيع
تاريخ النشر : 2021-10-02 00:01

في قراءة سريعة لمؤتمر أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق يوم الجمعة الموافق 24 أيلول / سبتمبر الماضي، ودون التوقف امام الشخصيات، التي دعت له، والقوى والأحزاب والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، التي دعمته على أهمية ذلك، وضرورته. لكن التوقف امام المؤتمر، الذي أطلق عليه اسم "مؤتمر السلام والاسترداد" يأتي لرؤية نصف الكأس الممتلىء منه، الذي يتعلق بموقف الشعب الشقيق في العراق من عرب وكرد وتركمان وغيرهم، الذين رفضوا الفكرة من الأساس، وأعلنوا منذ سمعوا بها تصديهم لها، وفضحوا القائمين عليها، وتنادى زعماء القبائل والقوى والنخب السياسية الرسمية والشعبية في العاصمة بغداد وكل المحافظات وفي المقدمة منها إقليم كردستان العراق ليشجبوا ويدينوا المؤتمر ومخرجاته والقائمين عليه من العملاء والمرتزقة.

كما وصدرت احكام بحق بعضهم وطرد البعض الاخر من وظائفهم، ومازال البعض مطلوبا للقضاء العراقي، وتبرأت العشائر من أبنائها الذين شاركوا في المؤتمر الفضيحة، مؤتمر العار، الذي سعى المسوقون له تمرير فكرة التطبيع المجاني مع دولة الاستعمار الإسرائيلية. ولجأوا للخديعة في دعوة الشخصيات للمشاركة في المؤتمر، حيث ادعوا ان المؤتمر يستهدف الحوار بين الأديان والسلام ونبذ الإرهاب والتطرف. مما دفع جزء كبير من أل203 اشخاص الذين شاركوا لتلبية الدعوة. لكنهم عندما شاهدوا علم دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، واكتشفوا خلفياته وأهدافه الحقيقية، جزء كبير منهم تجاوز المائة شخصية تنصل من المؤتمر، وغادر القاعة قبل نهاية جلساته، التي استمرت ما يزيد على الست ساعات. ليس هذا فحسب، انما بادر أربعون شخصية منهم لإصدار بيانات استنكار وشجب للمؤتمر، وتبرأت من مخرجاته، ورفضت من حيث المبدأ الزج باسمها في عضويته.

طبعا الداعم الأساس للمؤتمر ونفقاته الحركة الصهيونية ودولة الاستعمار الإسرائيلية عبر ما يسمى "مركز اتصالات السلام" ومقره نيويورك، ويقف على رأسه اليهودي الصهيوني عراقي الأصل، جوزيف رود، الذي شارك بأعمال المؤتمر ليحصد نتائج جهوده الخبيثة والتخريبية. بيد انه مني بالهزيمة، وعاد بخفي حنين، يجر اذيال العار.

كما لاحظ الجميع كانت ردة الفعل العراقية من مختلف الوان الطيف السياسي الرسمي والشعبي، العربي والكردي جلية لا تحتاج إلى تأكيد على اصالة الشعب العراقي الشقيق، الذي دفع غاليا، وغاليا جدا ثمن دفاعه عن فلسطين وقضية الشعب الفلسطيني، وقدم على ثرى ترابها وعلى جبهات الحروب العربية الاسرائيلية المئات والاف من الشهداء الابطال في كل العهود السابقة لنظام الحكم، وان كان نظام الرئيس الراحل الشهيد صدام حسين لعب دورا أساسيا في هذا الحقل، ولكونه كذلك قام حزب الشاي (يمين الحزب الجمهوري المتطرف) حليف الصهيونية وقاعدتها المادية (إسرائيل) بتلفيق كماً غير مسبوق من التهم لصدام وحزب البعث ونظام حكمهم، واستغلوا بضاعتهم الفاسدة لشن الحرب على العراق، وتدمير قدراته العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وتحويله لدولة فاشلة بعد تواطؤ جمهورية الملالي الإيرانية وحلفائها من مختلف المسميات والعناوين على عراق المجد والعطاء. كما قدم الشعب العراقي الدعم بكل اشكاله وعناوينه مالي ومعنوي وسياسي وديبلوماسي واقتصادي وثقافي، وعلى كافة الصعد والمستويات.

ولم يكن انعقاد المؤتمر اعتباطيا او ارتجاليا، وانما جاء نتاج دراسة لواقع العراق، فاعتقد المنظمون والداعمون والمساندون للمؤتمر ان الفرصة باتت مهيأة لتطويع شعب الحضارة العريقة، وزجه في ركب مؤامرة التطبيع المجاني المذل اسوة ببعض الأنظمة المتهافتة والرخيصة والمأجورة، التي سيقت كالنعاج لتنفيذ الجزء المتعلق بها من صفقة القرن الترامبية النتنياهوية، ووقعت قبل أكثر من عام على اتفاقيات ما يسمى "ابراهام" او إبراهيم، وسعوا من خلال ذلك، ومازالوا يسعوا لخلق منظومة دينية جديدة في إقليم الشرق الأوسط الكبير تحت عنوان "الديانة الابراهيمية".

لكنهم كما فشلوا في مؤتمر أربيل المفضوح والمكشوف والتآمري، سيفشلون ألف مرة في تحقيق أي من أهدافهم مهما استخدموا من ذرائع وحجج واهية، فإنهم لن يفلحوا، لإن شعوب الامة العربية واشقاءهم الاكراد والتركمان والامازيغ وكل الاثنيات المقيمة بين ظهرانية الشعوب العربية وعلى مساحة الوطن العربي الكبير لن يسمحوا بتمرير اتفاقيات التطبيع المجانية المذلة، ولن يتخلوا عن شعب فلسطين وقضيته الوطنية، لأنها تعتبر قضيتهم جميعا.

فشل مؤتمر أربيل، كان انتصارا للعراق وكردستان العراق وفلسطين ولكل أنصار السلام، واحرار العالم، وهزيمة لدولة المشروع الصهيوني وللسياسات الداعمة والمؤيدة لها.