أسماء الأشهر العربية
تاريخ النشر : 2021-10-13 17:18

ان التفسير المشهور بربط اسماء الاشهر العربية بالفصول والمواسم والشتاء والربيع والحر لا يستقيم كثيرا ويختل في ترتيب الاشهر وتسمية بعضها ولا توجد معارف قطعية في ذلك ولا تفسيرات واضحة. وانا هنا اقدم فرضية تعتمد الجانب التقديسي والاقتصادي للتسمية استقدتها من اربع معطيات:

الاول: الاشهر الحرم وما يترتب عليه من تحريم القتال. قال الله تعالى (انَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ [التوبة/36]

الثاني: اشهر الحج وما يترتب عليه من تقديس وتحضير. قال الله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة/197] وقال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة/189] والمعرفة القطعية ان الاشهر هلالية قمرية.

الثالث: المنطق في حركة القبائل بين الاشهر الحرم في تحصيل الموارد وترتيب وضعها الاقتصادي.

الرابع: اشتقاق اسماء الشهور العربية اللفظي والذي ينتظم بسهول على تلك الدورة الاقتصادية والقدسية.

ان شهر الحج هو مركز المواقيت عند العرب ولاجل حرمت اشهر، والوضع الاقتصادي للقبائل العربية كان يتأثر بشكل كبير بالاشهر الحرم وكان يضع عليهم اثارا اقتصادي وهذا ما جعلهم يسمون الاشهر بهذا الاسماء التي تكشف الجانب الاقتصادي. وهذه الحقيقة تؤدي الى امرين :
الأول: ان ظهور أسماء الاشهر لم يكن دفعة واحدة وانما كان اثر تراكم خبرات بحيث تتكرر حتى تتضح الصورة الاجتماعية لذلك الشهر وتبينت الحالة المعاشية فجعلوا لها تسميات استعارية وكنائية ومجازية بذائقتهم الشعرية. فان الوضع الشعبي للاسماء عادة ما يحتاج الى عمق ورسوخ وهو ما يحتاج الى زمن وتبادل وتواضع.

الثانية ان النسيء الذي ذكره القران بقوله تعالى ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [التوبة/37] هو فعلا كان تحليل شهر حرام وتحريم شهر حلال بدله بسبب الوطأة الاقتصادية للاشهر الحرم عليهم، لان الجانب الاقتصادي كان مهما لهم قد يصل الى فنائهم ان قعدوا فترة ما وهم بحاجة اليه من اغارة وربما الصيد فانهم ربما كانوا يحرمون الصيد أيضا. فالغزو والاغارة لم يكن نزعة شريرة بربرية لديهم وانما كان من متطلبات حياتهم التي ربما لا يمكنهم العيش بدونها سواء هجوما على اخرين او دفاعا عن أنفسهم.

من هنا يكون من المناسب وكما سترى وبحسب الاشتقاق اللفظي لاسماء الشهور انها اعتمدت عنصرين:

الأول: هو حرمة اشهر وقداستها ومناسبتها الدينية.

الثاني: هو الاثر الاقتصادي وما يتعلق به من افعال الغزو والغنائم والحرب والقتل وربما الصيد و ما ينتج عن ذلك.

فالملاحظ في تسمية الاشهر العربية هو الجانب التقديسي والجانب الاقتصادي. فاسماء الاشهر العربية فيها جوانب تقديسية واقتصادية.

اننا نجد ان مركز الشهور العربية هو ذو الحجة وهو الذي يدور حوله كل شيء وهو المؤثر الحقيقي والاساسي في حياة العرب وحركتهم وبالتالي الى المعاني الرمزية لاشهرهم.
فشهر ذو الحجة واضح انه شهر الحج وهو محرم عن العرب قبل الاسلام يحرم فيه القتال والاغارة وربما الصيد.

وبسب ان الحجاج يحتاجون الى أسابيع للوصول الى مكة والرجوع منها فهذا يتطلب سلاما قبل موسم الحج وبعده فلا بد ان يكون القتال قبل شهر الحج محرم وبعده بفترة مناسبة لا تقبل عن شهر قبله وبعده.

فكان الشهر الذي بعده اسمه محرم يحرم فيه القتال لاجل سلامة الحجاج. واما الشهر الذي قبله فأيضا محرم وعلاوة على ذلك فانه يتطلب قعودا عن الغارة وعن التنقل فسمي بذي القعدة.

بعد ثلاثة اشهر من عدم الاغارة وعدم الغزو وربما عدم، فان الموارد الاقتصادية ستقل وميزانية القبائل ستصفر لذلك اسموا الشهر الذي يلي تلك الأشهر الثلاثة المحرم بشهر صفر بسبب التصفير في السيولة والأموال.

بعد صفر يبدأ الغزو والاغارة وربما يبدأ الصيد أيضا فينتعش الاقتصاد ويدخل مرحلة الربيع الاقتصادي فيستمر شهرين. فسموا الأول ربيع الاقتصاد الأول والثاني ربيع الاقتصاد الثاني.
بعد هذه الفترة المزدهرة من الموارد والحركة عليها تنفد الموارد وتقل وتشح فتاتي حالة انجماد في الموارد وانكماش وتستمر شهرين فسمي الأول جمادى الموارد الأول وجمادى الموارد الثاني.

بعد ذلك يأتي شهر محرم وهو شهر استراحة يحرم فيه القتال يرجب ويعظم فسموه رجب، ولا ريب ان العرب الأوائل ورثوا تحريمه من الأديان السابقة كما انه يعطي استراحة بعد اشهر من القتال والغزوات.

وبعد رجب يأتي شهر تصفية الأمور وانهاء القضايا فتحدث حركات وتنقلات عسكرية وقبائلية كثيرة وواضحة بسبب اثار الحروب تلك فتتشعب القبائل اما للمساكن الجديدة او للغارات فسمي هذا الشهر شعبان.

بعد هذه الفترة من التنقلات والحركات القبائلية او العسكرية تحصل حالة من الرمض والشدة والحرقة والحدة وهي اثار القتل والحزن والتجوال والتنقل فسمي ذلك الشهر رمضان.

بعد شهر رمضان يبدأ شيل المؤون والتحضير للحج، اما بخزنها للعوائل او بتحضيرها للسفر فتشال المواد وتخزن. وربما تصاحبه حركة خفيفة من الصيد السريع والتجوال لاجل الموارد وربما اغارات بسيطة لشيل اكبر قدر ممكن من الموارد ولهذا يسمى هذا الشهر بشهر شوال.
بعد هذا الشهر يقعد الجميع عن كل الفعاليات التي تأتي بالموارد سواء من جهة الغارات او التنقلات فيكون شهر ذو القعدة استعدادا لشهر الحج.

ومن خلال التوقيات هذه وقربها وانتظامها مع أيام الحج يعلم ان من سمى هذه الشهور هي قبائل مكة ومن حولها ما يقوي الرواية التي تقول ان من وحد التسمية وهو جد رسول الله صلى الله عليه واله الخامس كلاب بن مرة كما انه يشير الى ميراث النبوة في هذا البيت وهو ما اشرت اليه مرار.

ذو القعدة محرم من الغارات فيقعد فيه ولا يتنقل فيه
ذو الحج هو موسم الحج.
المحرم تحريم التعرض للحجاج والقتال.
صفر تصفير المؤون والمخزونات.
ربيع الأول ربيع اقتصادي بالموارد بعد تصفير وتعطيل.
ربيع الثاني ربيع اقتصادي بالموارد
جمادى الأول نفاد الموارد وجمودها وانكماشها. بعد فترة غنائم لشهرين.
جمادى الثاني نفاد الموارد وجمودها وانكماشها.
رجب محرم يرجب ويعظم
شعبان تشعب القبائل وتنقلها لاجل أماكن جديدة.
رمضان رمض وحدة بعد حالات القتال والحروب والتنقلات.
شوال شيل المؤون وتخزينها وتحضيرها لسفر الحج.

لا بد من الإشارة ان هذه فرضية وتحتاج الى تدعيم مستقبلا وانها مبتنية أساسا على اعمال المجاز والرمزية والاستعارة في استعمال تلك الأسماء الا انه هذه الفرضية تتجاوز الكثير من الإشكالات التي تعاني منها الفرضية المشهورة، كما انني لا اعرف أحدا قال بالبعد الاقتصادي لأسماء الشهر العربية من قبل.