أمريكا والصين والصراع الحذر عن صحيفة الخليج الإماراتية
تاريخ النشر : 2021-10-15 15:10

منذ قدوم الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، ورغم المراجعات التي قادها بصدد التعامل مع عدد من الملفات بصورة تختلف عن سابقه دونالد ترامب، إلا أن ملف العلاقات مع الصين ظل يدبر على نفس الوتيرة، بشكل يشير إلى أن الأمر يتعلق بأحد مرتكزات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه هذا القطب الدولي الوازن الذي بدأت تحركاته الإقليمية والدولية على المستويات الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية، تثير المزيد من القلق داخل دوائر صنع القرار الأمريكي بخاصة مع المكتسبات التي حققتها الصين على المستوى الاقتصادي، والجهود التي تبذلها لإحياء طريق الحرير الجديد، كمشروع تجاري واستراتيجي ضخم عابر للقارات يمتد لأكثر من 120 دولة.

ويبرز الاتفاق العسكري المبرم أخيراً بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، الذي سيتيح لهذه الأخيرة الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لصناعة غواصات تشتغل بالطاقة النووية، أن ثمة ترتيبات استراتيجية تؤشر لبداية تشكّل توازنات مختلفة وتحالفات جديدة، تأخذ في جانب مهم منها تمدّد الصين. فالتعاون العسكري بين الدول الثلاث في المحيطين الهادي والهندي أضحى هاجساً بالنسبة للإدارة الأمريكية الجديدة كسبيل للحد من الطموحات الاستراتيجية للصين، وهو ما يعزز التواجد الأمريكي في هذه المنطقة،بخاصة إذا استحضرنا حجم التعاون الاستراتيجي بين هذه الأخيرة من جهة، واليابان وكوريا الجنوبية من جهة أخرى، وهو ما اعتبرته الصين خطوة تكرس «عقلية الحرب الباردة» وتدعم السباق نحو التسلح، وتهدد السلام في هذه المنطقة الحيوية.

على امتداد مجموعة من المحطات والمناسبات، يصرّ بايدن على أنه عازم على مواجهة الصين نظراً لما تطرحه من تحديات أمام الريادة الأمريكية، في حين يعتبر أن القطب الروسي لا يمثل منافساً عنيداً لها.

أما الصين، فكثيراً ما اعتبرت من جانبها أن الولايات المتحدة تبالغ في تصويرها ك«عدو» وتسعى إلى احتوائها بسبل مختلفة، معتبرة أن التعاون بين الجانبين يخفي وراءه الكثير من التناقضات والمواجهات والعقوبات، ودعتها إلى مراجعة سياساتها التي طالما تروج لما تسميه بالتهديد الصيني.

تؤكد الصين باستمرار أن سياستها العسكرية هي ذات طابع دفاعي فقط، ولا ينطوي على السرية، بل وتشير إلى أن الولايات المتحدة وعدداً من الدول الغربية توظف إمكانيات ضخمة في سبيل تطوير إمكانياتها العسكرية.

وفي الوقت الذي تحاول فيه الصين تقديم نفسها كقوة عالمية تنشد السلام والتضامن بين الشعوب، في إطار علاقات دولية تقوم على التعاون، وتدعو إلى إرساء شراكة بناءة مع الولايات المتحدة وتنافس هادئ، في إطار من التعايش السلمي، بما يخدم مصالح الدولتين والسلم والأمن الدوليين، لم تتوقف الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة عن اتهامها بإثارة التوتر في عدد المناطق.

على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة تراوحت علاقات الولايات المتحدة مع الصين، بين المدّ تارة والجزر تارة أخرى.. بين طرف يسعى لتكريس زعامته وتأبيدها في إطار قطبية أحادية، وطرف ثان يطمح إلى فرض وجوده دولياً ضمن قطبية متعددة.

وانطلاقاً من مجموعة من المؤشرات، يظهر أن الصين تتّجه بصورة هادئة نحو المساهمة في بناء نظام دولي متعدد الأقطاب، وتحاول في ذلك الموازنة بين علاقاتها المتينة مع القوى الدولية الكبرى كروسيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي من جهة، وعلاقاتها المتميزة مع الدول الصاعدة والنامية من جهة أخرى.

غالباً ما ترفع الولايات المتحدة الملف الحقوقي كوسيلة ضغط على الصين بصدد عدد من الملفات. ووعياً بحجم القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي ستكتسبها الصين في حال عودة تايوان إلى سيادتها، فإنها لا تتردد في تقديم الدعم الاقتصادي والعسكري لهذه الأخيرة، وهو ما ترفضه بكين التي تعتبر الجزيرة جزءاً من أقاليمها.

ومع كل ذلك، تنظر الولايات المتحدة بقدر من الواقعية إلى الحضور الدولي الوازن للصين، ورغم التعاون الحاصل بينهما على المستوى الاقتصادي، فإنها لا تدخر جهداً في ممارسة الضغط عليها بأشكال مختلفة.

وعلى الرغم من وجود عدد من الملفات الخلافية بين الجانبين، التي تتنوع بين قضايا اقتصادية وتجارية وسياسية وأمنية واستراتيجية ورقمية، من الصعب الحديث عن العودة إلى حرب باردة مكلفة، فالولايات المتحدة، بغض النظر عن التصريحات الانفعالية التي تبرز من حين لآخر، إلا أنها من المنظور الواقعي، ستحرص بمعية عدد من حلفائها على تلافي الصدام المباشر مع الصين، بل والسير باتجاه دفع هذا القطب نحو الاندماج في النظام الدولي الراهن من دون المس بأركانه ومقوماته، بما يدعم المكانة الريادية لأمريكا ويمدد حضورها الفاعل على الساحة الدولية.

عن صحيفة الخليج الإماراتية