26 تشرين الأول: اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية
تاريخ النشر : 2021-10-18 11:25

حسنا فعلت وزارة شؤون المرأة، ومعها الأطر النسائية كافة، ثم الحكومة، باعتماد يوم وطني للمرأة الفلسطينية إلى جانب اليوم العالمي المعروف في الثامن من آذار. أقر ذلك  في العام 2019 بتعيين يوم 26 من تشرين الأول يوما وطنيا للمرأة الفلسطينية، تكريما واحتفاء بالذكرى التسعين لانعقاد أول مؤتمر للمرأة الفلسطينية، الذي شاركت فيه عند انعقاده في القدس (26/10/1929)، أكثر من 300 امرأة فلسطينية من مختلف المناطق، وشكل انطلاقة للمشاركة النسائية الفاعلة والمؤثرة في الحياة السياسية الفلسطينية التي لم تنقطع أبدا.

واللافت أن الحركة النسائية الفلسطينية التي سبقت مثيلاتها في المنطقة العربية من حيث التأطير والتنظيم والوعي الاجتماعي والنضج البرنامجي، ارتبطت منذ بداياتها الأولى بالهم الوطني للشعب الفلسطيني كله، وبمواجهة الأطماع والمخططات الصهيونية، وهذا ما تأكد في العقود التسعة اللاحقة حيث اقترن النضال الوطني من أجل الحرية والاستقلال، بالنضال الاجتماعي من أجل العدالة والمساواة. وليست مصادفة أن مراحل النهوض تشهد دائما مشاركة فعالة للمرأة، بينما مراحل التراجع، تشهد نكوصا لأوضاع المرأة ومستوى مشاركتها في الحياة العامة وفي مختلف مستويات اتخاذ القرار.

من المهم التأكيد على جملة من الحقائق، أولها أن الاحتفاء بيوم المرأة الوطني ليس قضية قطاعية تخص الأطر النسوية وحدها، بل هي قضية مجتمعية عامة تهمّ الجميع "حكومة وأحزابا، ونقابات واتحادات الشعبية، إلى سائر مؤسسات المجتمع المدني.

 الحقيقة الثانية هي أن إنجاز التحرر الوطني، وكذلك إنجاز أهداف التنمية مرتبطان بإطلاق طاقات كل الفئات الاجتماعية، وبالمشاركة الفاعلة للمرأة في جميع ميادين السياسة والعمل العام. والمدخل لهذه المشاركة تبدأ من التعليم بجميع مراحله، ثم من انخراط المرأة في العمل والإنتاج، ورفع كل أشكال التمييز والإجحاف بما في ذلك النظرة السلبية المسبقة عن دور المرأة وقدراتها في مختلف المجالات. وهنا علينا أن نلاحظ مسألتين هما أن بعض الأوساط يكاد اهتمامها ينحصر بالجوانب الظاهرية مثل عدد النساء في الحكومة أو نسبة السفيرات ورئيسات البلديات والمواقع القيادية العليا، مع أن ذلك يمكن ان يكون ذا دلالة، لكن الأكثر أهمية هو مساهمة المرأة الحقيقية في مختلف ميادين العمل والاقتصاد والإنتاج، والمسألة الثانية هي اختزال حرية المرأة وحقوقها في بعض القضايا الشكلانية والهامشية التي يمكن ان تعزل قضية المرأة وتحررها عن قضايا المجتمع وتحولها إلى شأن نخبوي لا تهتم به سوى مجموعة من النساء المتحررات أصلا، والمؤسف أن مثل هذه القضايا مثل اللباس والحجاب وما شابه ذلك، هي التي تحظى بدعم وتمويل الجهات المانحة على حساب قضايا جوهرية أخرى مثل التعليم والعمل، والمساواة في الأجور، والعنف المبني على النوع الاجتماعي، وحق المرأة في نصيبها من الإرث الشرعي، وحقوق التقاعد والوصاية على الأبناء، والحق في الزواج وقبول أو رفض الشريك. في كثير من هذه القضايا، وفي مراحل التراجع الوطني وانحسار الديمقراطية، يرتدّ مجتمعنا الفلسطيني إلى أيام الجاهلية الأولى مع أن بعض العقليات المحافظة تحاول استخدام الدين لتغطية مواقفها المتحجرة، والدين منها براء.

   إن إحياء هذا اليوم ينبغي ألا يقتصر على الاحتفالات والمراسم الشكلية، كما يحصل في عيد العمال العالمي الذي غالبا ما يحتفل به المسؤولون والمثقفون والناشطون السياسيون وباقي القطاعات غير العمالية، بينما العمال والكادحون الحقيقيون هم آخر من يعلم، بل ينبغي أن يشكل اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية فرصة لمراجعة مدى التقدم (أو التراجع) الذي تحقق في مجال الهدف الأسمى الذي نص عليه إعلان الاستقلال الفلسطيني، وكفله القانون الأساسي. وأكدت عليه الاتفاقيات والالتزامات التي وقعتها دولة فلسطين، وهو هدف المساواة وإلغاء كافة مظاهر الإجحاف والتمييز ضد المرأة، ومسؤولية المراجعة والمراقبة هذه هي مسؤولية وطنية شاملة لا تقتصر على الناشطات النسويات، بل ينبغي أن تضطلع كل مؤسسة وكل هيئة بمسؤولياتها في مراقبة مدى إنجازاتها، والتزامها بالأهداف الوطنية المجمع عليها تجاه المرأة.

وبالنسبة للهدف الرئيسي المتمثل بالمساواة، نلاحظ قدرا كبيرا من التردد والتلعثم في مواقف وأداء بعض المراكز والجهات الرسمية وهي مواقف تساهم من دون شك في إعاقة تمكين المرأة من نيل حقوقها ورفع مظاهر الإجحاف والتمييز عنها، تارة تبدو هذه المواقف عن طريق الحديث عن "خصوصية" المجتمع الفلسطيني، وطورا بإبداء التحفظات، أو المقاومة الظاهرة والخفية لتفعيل المعاهدات والالتزامات الدولية وخاصة اتفاقية (سيداو) لرفع كل أشكال التمييز ضد المرأة والتي حظيت بأبشع حملة افتراء وتنكيل وتزوير حيث هاجمها كثيرون دون أن يقرأوها. وللتدليل على ما سبق نسوق النص التالي، وهو  مقتبس حرفيا عن موقع رسمي للشرطة الفلسطينية، ضمن مقال بعنوان "المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام"، وجاء فيه" خلق الله تعالى الرجل والمرأة، وجعلهما مختلفين في طريقة التفكير وفي النظرة إلى الأشياء، وفي الصفات الجسمانية، والعاطفية، والنفسية ليكمل كل منهما الآخر، فإذا نظرنا إلى الرجل بشكل عام نجد أنه يبني حياته  على العقلانية، وتحكيم الواقعية عند اتخاذ القرارات وإطلاق الأحكام، أما المرأة فغالبًا ما تميل إلى تحكيم العاطفة، والنظر إلى الأمور ناحية شعورية"، وهذا النص الذي يكرس ويؤسس لكل أشكال التمييز، منشور من دون توقيع كاتبه، الذي يحاول الإيحاء بأنه يفتي في شأن ديني لا مجال لمناقشته أو الاعتراض عليه، وهو ما يوحي بأنه موقف رسمي لجهاز الشرطة التي يفترض بها أن تكون جهازا لإنفاذ القانون، وليست دارا للفتوى أو هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، علما بأن الاجتهادات الفكرية لتفسير النص الديني ذاته، تحتمل مروحة واسعة من الأفكار والشروح والمواقف التي تضمن إنسانية المرأة وكرامتها، ولا تقرن التفسير الديني بالتمييز والإجحاف.