تقرير: محكمة إسرائيلية تعمل لتحويل طبيعة الملكية في الشيخ جراح بالقدس
تاريخ النشر : 2021-11-03 16:14

القدس- سماح شاهين: عادّ التوتر لحيّ الشيخ جراح الواقع شمال البلدة القديمة بمدينة القدس من جديد، مع انتهاء المهلة التي منحتها المحكمة العليا الإسرائيلية لأهالي الحي من أجل الرد على مقترح التسوية الإسرائيلي الذي يقوم على اعتبار الجيل الحالي فقط من سكان الحي في المنازل، بمرتبة مُستأجر محمي بموجب القانون.

ووقع الحيّ تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وهو ملاصق لحدود الرابع من يونيو/حزيران بالجهة الغربية الشمالية، ومن هنا أخذ أهميةً لدى إسرائيل التي تسعى عبر مخططاتها لإنشاء تواصل جغرافي استيطاني والحد من الترابط الفلسطيني في البلدة القديمة.

وتبلغ مساحة الحيّ 808 دونمًا، ويضم الحي نحو 2800 نسمة، وينقسم إلى جزأين، أحدهما فاره ويضم المطاعم والقنصليات والفنادق وآخر يعاني سوء البنية التحتية ويعيش قاطنيه من الفلسطينيين في معاناة.

والحيّ مُلاصق لما بات يعرف بـ"خط الهدنة" الذي تم ترسيمه عام 1949، وهو الخط الأخضر الفاصل بين شطري المدينة الشرقي والغربي، ولشطب الخط الأخضر الفاصل بين شطري المدينة بالكامل، أقامت سلطات الاحتلال 3 فنادق إسرائيلية.

عندما استقرت 28 عائلة في حي الشيخ جراح عام 1956، كانت تأمل أن يكون هذا هو اللجوء الأخير، بعد أن تم تهجيرها من منازلها إثر نكبة عام 1948.

ولكن العائلات التي ازداد عددها إلى 38 منذ ذلك الحين، تقول إنها تعيش نكبة متجددة يوميً

بداية المأساة

في العام 1956، توصلت العائلات الـ28، وجميعها من اللاجئين الذين فقدوا منازلهم إبان نكبة فلسطين عام 1948، إلى اتفاق مع وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" على توفير مساكن لها بحي الشيخ جراح.

وآنذاك، كانت الضفة الغربية تحت الحكم الأردني (1951-1967).

واندلعت حرب 1967 لتتغير قواعد اللعبة، لتتمكن إسرائيل من السيطرة على الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، ويبقى العائلات التي زادت إلى 38 عائلة دون سند ملكية للأرض وهو ما يعرضهم للتهجير منها في أي وقت، لتبدأ مرحلة جديدة من محاولة إثبات ملكيتها.

ماذا قالت الحكومة الأردنية؟

أعلنت وزارة الخارجية الأردنية، في تاريخ 29 أبريل/نيسان، عن مصادقتها على 14 اتفاقية، وتسليمها إلى أهالي حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، عبر وزارة الخارجية الفلسطينية، وهي وثائق جديدة تضاف إلى مجموعة من وثائق سابقة كانت قد سلمتها أيضا للجانب الفلسطيني، تدعم تثبيت حقوق أهالي الحي بأراضيهم وممتلكاتهم.

وقالت الوزارة في بيان، إنها سلمت الأهالي شهادة تُبين أن وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية، عقدت اتفاقية مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لإنشاء 28 وحدة سكنية في حي الشيخ جراح، وعقدت اتفاقيات فردية مع الأهالي لإقامة مساكن لهم في الحي، وأنها تعهدت بموجب الاتفاقيات أن يتم تفويض وتسجيل ملكية الوحدات السكنية بأسمائهم، ولكن نتيجة لحرب 67 فإن عملية التفويض وتسجيل الملكية لم تتم".

وأشارت وزارة الخارجية الأردنية إلى أنها زودت في وقت سابق، الجانب الفلسطيني بكافة الوثائق المتوفرة لديها والتي يمكن أن تساعد المقدسيين على الحفاظ على حقوقهم كاملة، من عقود إيجار وكشوفات بأسماء المستفيدين ومراسلات، إضافة إلى نسخة من الاتفاقية عقدت مع الأونروا عام 1954.

الجمعيات الاستيطانية: تزوير وقرصنة

في يوليو/ تموز 1972 سجلت جمعيات استيطانية أرض الحي مدّعية أنها تمتلك الأرض منذ عام 1885 ولكن المستندات التي تم جلبها من "الطابو" التركي والأردني أثبتت أن إدّعاء الجمعيات يعتمد على مستندات مزورة. وفي عام 1982 بادرت الجمعيات إلى إقامة "دعوى إجلاء" ضد 24 عائلة تقطن الحيّ.

استمر السجال القانوني بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مدار عقود من الزمن وبقي الحال على ما هو عليه، لكن في عام 2008 أصدرت المحكمة الإسرائيلية قرارًا بتمكين إحدى العائلات الإسرائيلية لأحد المنازل التابعة لعائلة الشيخ الكرد، أعقب ذلك قرارا آخر عام 2009 وتم إخلاء منزلين، وفي تلك الأيام يعاني نحو 12 عائلة أخرى من خطر التهجير لوجود قضايا قانونية يتم النظر فيها داخل المحاكم الإسرائيلية.

%40 من الحي في دائرة الاستهداف

هناك عدة مشاريع تتعلق بتهويد الحي. ومنها أنه عام 2008 قدمت شركة "نحلات شمعون"، مخططًا لإقامة مستوطنة في حي الشيخ جراح قرب ما تدّعي أنه قبر "الصديق شمعون"، مكونة من 200 وحدة استيطانية في الحي، وهو ما اعترض عليه السكان الفلسطينيون؛ لأن تلك المستوطنة ستقام على أرضهم ما يهدد بإخلائهم وهدم منازلهم.

أُحيلت خُطة الأراضي في كانون أول 2008 لما تسمى بلدية الاحتلال في القدس، وقامت بإنشـاء 200 وحدة سكنية على مساحة 18 دونما في هذه المستوطنة، وتقضي الخطة ببناء مبانٍ كثيـرة، وهـدم بناية تابعة للمواطنين الفلسطينيين. وقد فُتح ملف جديد في تموز 2009 ويقضي ببناء 20 وحدة سكنية في موقع علـى مسـاحة 3,6 دونم بإضافة  5,7 دونم ومرآب للسيارات تحت الأرض في كرم المفتي نسبة إلـى مالكها مفتي القدس أمين الحسيني.

كما منحت لجنة القدس للبناء والتخطـيط الاحتلالية في نيسان 2009 التصريح الأخير إلى جمعية "أماناه" الاستيطانية لبناء مقراتها فـي حـي الشيخ جراح، وتم تسييج بقعة أرض خالية مجاورة لموقع "الصديق شمعون" مقابـل فنـدق شـجرة الزيتون وعلّقت لوحة عند مدخل الأرض مكتوب عليها "مبنى ماكس وجيانا غلاسـمن".

ما هو كان دور قطاع غزة لحماية الحيّ ؟

مع حلول شهر رمضان، وتحديدًا في 13 أبريل/نيسان بدأت كرة العدوان الإسرائيلي في مدينة القدس، ثم أخذت تتدحرج إلى الضفة الغربية/ ومن ثم قطاع غزة.

بدأت شرارة المواجهة بالاعتداء على عشرات الفلسطينيين ومحاولة منعهم من التواجد في ساحة "باب العامود"، واشتدت، مع دعوة جماعات إسرائيلية متطرفة إلى "حرق العرب"، والتداعي لاقتحام واسع للمسجد الأقصى في 28 رمضان.

وردًا على تلك الانتهاكات، أطلقت فصائل فلسطينية في غزة عشرات الصواريخ على السياج الفاصل المحاذية للقطاع.

وفي 20 مايو تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، دخل حيز التنفيذ الجمعة عند الساعة 02:00 فجرًا بتوقيت فلسطين.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، عن 232 شهيدًا، بينهم 65 طفلا و39 سيدة و17 مسنًا، بجانب نحو 1900 جريح، إضافة إلى 28 شهيدًا بالضفة وقرابة 7 آلاف جريح بالضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس، وشهيدان أحدهما في مدينة أم الفحم والآخر في مدينة اللد.

بدورها، وزارة الأشغال العامة والإسكان بغزة أعلنت عن هدم 1800 منزلًا وتضرر نحو 17 ألفًا وتشريد أكثر من 120 ألف مواطن.

تحويل القضية للمحاكم الإسرائيلية

ثم تحوّلت القضيّة إلى المحاكم الإسرائيلية، حيث بدأت تنظر في دعاوي ترفعها جمعيات استيطانية على الفلسطينيين بالحيّ.

وفي أكتوبر/ تشرين أول الماضي، عرضت محكمة إسرائيلية على عائلات فلسطينية بالحيّ، البقاء في منازلهم كـ"مستأجرين" لمدة 15 عام، أو حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر.

ويوم الثلاثاء تحدثت أنباء عن موافقة عائلات "الجاعوني" و"اسكافي" و"الكرد" و"القاسم" في الشيخ جراح على المقترح الإسرائيلي، وتوقعات بموافقة العائلات الثلاثة المتبقية في الساعات المقبلة.

هذه المواقفة دفعت قوى فلسطينية في القدس، إلى جانب شخصيات اعتبارية ورسمية، للتحذير من مقترح التسوية، مؤكدين أنه يحمل "يحمل مخاطر جدية سياسية وقانونية من شأنها تمليك شركة نحلات شمعون الاستيطانية للأرض".

واعتبروا موافقة العائلات بمثابة "سابقة خطيرة" ستترك "أثرها على بقية الأحياء المقدسية المهدد سكانها بالطرد والتهجير القسري في سلوان وكبانية ام هارون في الشيخ جراح وحي الأشقرية في بيت حنينا".

رفض الأهالي مشروع التسوية الإسرائيلي للمنازل

أكّد أهالي وحدات حي الشيخ جراح، رفضهم بالإجماع التسوية المقترحة من قِبَل محكمة الاحتلال الإسرائيلي التي كانت ستجعلنا بمثابة "مستأجرين محميين"، عند الجمعية الاستيطانية "نحلات شمعون" وتمهد تدريجيًا لمصادرة حقنا في أراضينا.

وذكروا الأهالي في بيان لهم وصل "أمد للإعلام" نسخًة عنه، أنّ هذا الرفض جاء انطلاقًا من إيماننا بعدالة قضيّتنا وحقنا في بيوتنا ووطننا بالرغم من انعدام أي ضمانات ملموسة، لتعزيز وجودنا الفلسطينيّ في القدس المحتلة من قبل أي جهة أو مؤسسة.

وأوضحوا أنّه ندرك أن تهرُّب محاكم الاحتلال من مسؤوليتها في إصدار الحكم النهائي، واجبارنا على الاختيار بين التهجير من بيوتنا أو الخضوع لاتفاق ظالم، ما هو إلّا امتداد لسياسات استعمارية تهدف لشرذمة التكافل الاجتماعي الذي حققه الشعب الفلسطيني في الهبة الأخيرة، ومحاولة لتشتيت الأضواء عن الجريمة الأكبر: التطهير العرقي الذي يرتكبه الاحتلال ومستوطنيه. نحن لا نقبل أن تسوّق صورة احتلال منصف على حسابنا، ولن نرضى بأنصاف الحلول. 

وتابعوا: "كان للشارع الفلسطيني دور مصيري في صياغة الرأي العام المحلي والعالمي ضد سياسات الاستعمار الاستيطاني، وبالتالي فإننا نعوّل عليه ألّا يقع في فخ الاحتلال لتمزيق الوحدة الوطنية والحاضنة الاجتماعية التي حققناها سويًا الصيف الماضي في انتفاضتنا الشاملة ضد التطهير العرقي. نأملُ من شعبنا العظيم أن يؤازرنا في تبعات موقفنا الرافض والتي نعلم أنها ستكون ثقيلة ولا يصدها إلا التكاتف الشعبي". 

وحملوا الأهالي، حكومة الاحتلال بشكل كامل مسؤولية سرقة بيوتنا، كما تتحمل المسؤولية بشكل موازي السلطة الفلسطينية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) والمملكة الأردنية الهاشمية، التي بنت الشيخ جراح كمشروع لإسكان اللاجئين عام 1956، واعطتنا الحق الكامل في ملكية الأرض. نطالب المجتمع الدولي، الذي ندد دائمًا ضد تهجيرنا وأسماه جريمة حرب، أن يقف عند مسؤولياته ليردع المحاكم الإسرائيلية عن طردنا من حيّنا الذي سكنّاه ودافعنا عنه لأجيال وأجيال.

تسليم إخطارات إخلاء

سلمت محكمة الاحتلال 7 عائلات من حي الشيخ جراح، صباح يوم الأربعاء، إخطارات بالإخلاء.

والعائلات السبعة تسكن في كبانية أم هارون بالشيخ جراح، وهي: آمال شريتح، لبيبة خطيب، أحمد غزاوي، فاطمة بشيتي، مصطفى خطیب، أمين ابو دولة، عاصم بشیتي.

وأكّد المحامي محمد دحلة، أن "هناك قضية أُقيمت على بعض العائلات في كبانية أم هارون بالشيخ جراح، من قبل شركة استيطانية تسمى “فيلبن اينك”، والعقار مسجل على اسمها بالطابو".

وتابع أن "العائلات التي تسكن في هذه العقارات هي عائلات محمية، أي أنهم مستأجرين محميين، استأجروا هذا العقار بالماضي من ما يسمى بـ حارس أملاك العدو الأردني".

وأوضح دحلة أن القضية لا زالت بالبداية، وأنهم قاموا بتقديم لائحة دعوى، وهم الآن بصدد تقديم اللائحة الجوابية.