النظام الرسمي العربي ....و"الإسهال" التطبيعي
تاريخ النشر : 2021-11-26 20:21

النظام الرسمي العربي حدثت تغيرات بينيوية عميقة في داخلة وعلى طبيعة دوره ووظيفته..نقلت هذا النظام من النقيض للنقيض...ولعب المال الخليجي والبتروددولار ،دوراً كبيراُ في هذه التغيرات وعملية الإنتقال،حيث وظفت المشيخات الخليجية أموالها في شراء مواقف دول ومصادرة حتى دورها وقرارها..وما نراه اليوم يعكس عمق وطبيعة هذه التحولات،من بعد توقيع السادات لإتفاقية " كامب ديفيد" ،واستدخال ثقافة الهزيمة،والترويج لها على أنها انتصارات وواقعية وعقلانية،وبأن ا ل م ق ا و م ة باشكالها المختلفة أضرت بالعرب وبالقضية الفلسطينية... وليأتي العدوان الإسرائيلي على لبنان و ا ل م ق ا و م ة وفي المقدمة منها ح ز ب ا ل ل ه في تموز /2006.وليطلق رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم مصطلح " الإستنعاج" ،وعدم قدرة العرب على مواجهة دولة الإحتلال...ولتذهب الأمور بعد ذلك الى ما هو أبعد،حيث عبث النظام الرسمي بقواعد الصراع وأسس وجوهره..بإعتبار أن " دولة الإحتلال،لم تعد تشكل الخطر الإستراتيجي على الأمة العربية وعلى قضية شعبنا الفلسطيني،الذي تحتل أرضه وتصادر حقوقه وترفض حتى الإعتراف به كشعب،بل أوجدت لها أمريكا عدو مصطنع ،ألا وهو ايران،ونقلت الصراع الى صراع اسلامي- اسلامي( سني- شيعي).ومن خلال هذا العدو الوهمي والمصطنع،وتغييرها لقواعد وأسس الصراع..كانت تعمل على " استحلاب" أنظمة البترودولار الخليجي مالياً، من خلال "تدفيعها" ثمن الحماية العسكرية والقواعد الأمريكية المقامة على أراضيها،وشرائها بعشرات مليارات الدولارات أسلحة امريكية ..المهم عملت أمريكا على تكريس شرعنة وجود دولة الإحتلال كدولة " طبيعية" في المنطقة من خلال اتفاقيات " ابراهام" التطبيعية التي قادتها مشيخة الإمارات العربية،المناط بها أمريكياً الدور لتحقيق العديد من المصالحات ومنصات التواصل مع العديد من دول المنطقة،تركيا سوريا دولة الإحتلال،مصر لبنان وغيرها ..ولتحقيق الرؤيا الأمريكية بإقامة شرق أوسط جديد من المحيط الى الخليج...مصالحات واستثمارات ودعم اقتصاد دول عنوانها وهدفها،فك علاقة تركيا ب" الإخونج"..وابعاد دول وحركات محور ا ل م ق او م ة وفي المقدمة منها سوريا عن ايران ..وفي النظرة الى ما تحقق على صعيد " الإسهال" التطبيعي،نلحظ تفعيل اتفاقية الغاز بين مصر ودولة الإحتلال،واستجرار الغاز المصري الى لبنان مروراً بسوريا وبموافقة أمريكية،وكذلك السماع لمصر بتعزيز وجودها العسكري في رفح،والعمل على تطويع سلطة ح م ا س للقبول بالمشروع الإسرائيلي "الإقتصاد مقابل الأمن"،أما في الأردن،فمن بعد الموافقة الأمريكية على استجرار الكهرباء الأردنية الى لبنان عبر سوريا،الى توقيع اعلان نوايا" اتفاقية" الكهرباء مقابل الماء،مع دولة الإحتلال برعاية إماراتية على هامش معرض " اكسبو" الدولي في ابو ظبي،وسبق ذلك توقيع اتفاقية الغاز.. الإمارات والبحرين تطبيع دبلوماسي وسياسي وثقافي واقتصادي ونقل جوي واتفاقيات في مختلف الميادين والمجالات...وصولاً الى التنسيق والتعاون الأمني والإستخباري والعسكري....في حين المغرب ذات السجل التطبيعي القديم والذي لم ينقطع منذ عهد ملكها الحسن الثاني ..قطعت شوطاً كبيراً على صعيد تحللها من كل التزاماتها العروبية والقومية ،من بعد زيارة وزير جيش الإحتلال غانتس لها يوم الثلاثاء الماضي وتوقيع اتفاقية "الدفاع" المشترك والتعاون الأمني والعسكري،والسودان دولة الإحتلال،هي من تشرف على ترتيبات نظام الحكم فيها بشقيه العسكري والمدني ..اما في ليبيا ف" الحفتر" قائد ما يسمى بالجيش الوطني الليبي والطامح بالوصول الى منصب الرئاسة الليبية،عبر مساعدة عسكرية وسياسية من دولة الإحتلال،فقد ارسل قبل فترة قريبة،ابنه الى دولة الإحتلال على متن طائرة خاصة من اجل خطب ود دولة الإحتلال ودعمها لوالده مقابل التطبيع الكامل والإلتحاق بإتفاقيات "ابراهام" التطبيعية ....أما لبنان فيتعرض لحملة شرسة  وعقوبات اقتصادية ومالية ،من أجل التحاق لبنان بركب الدول المطبعة،ومغادرة خانة محور ا ل م قا   و م ة،والعراق لعل المؤتمر الذي عقد في اربيل العراقية،بمبادرة العديد من القيادات الكردية وقيادات عشائرية،كان بمثابة جس نبض وبالون اختبار،حيث دعا القائمين عليه الى  تطبيع العراق لعلاقاته مع دولة الإحتلال والإلتحاق بحلف " ابراهام" التطبيعي،ولكن الموقف العراقي الرسمي والشعبي الرافض للتطبيع وتجريم القائمين عليه والمطالبة بمحاكمتهم،"فرمل" من مخططات تطويع العراق والحاقه بركب دول النظام الرسمي العربي المهرولة للتطبيع مع المحتل.

إن " الإسهال" التطبيع العربي،قد بلغ اعلى درجات الخطورة،في اندفاع مملكة المغرب الى ما هو أبعد من التطبيع السياسي والدبلوماسي والإقتصادي والثقافي نحو التطبيع الأمني والإستخباري وعقد اتفاقيات دفاع مشترك،من شأنها،ان تجعل الأمن العربي مكشوفاً أمام دولة الإحتلال،وحقها بالحصول على المعلومات بالطرق الرسمية والمشروعة بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك،ليس من خلال  القنوات الأمنية فقط،بل من خلال وزراتي الجيش والدفاع،وكذلك هذا الإتفاق شكل تهديد استراتيجي للأمن القومي العربي،ويهدف الى تفكيك المنطقة العربية..وهو يشكل ربح صافي استراتيجي لدولة الإحتلال،و"بيع" للقضية الفلسطينية  بثمن بخس،وطعنة غادرة لكل نضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني،وكذلك فهذا التطبيع العسكري،يحمل مخاطر جدية على أمن الجزائر ووحدة أراضيها،وخاصة أنها في دائرة استهداف القوى المعادية الإستعمارية ودولة الإحتلال،والتي تريد تدمير قدرات الجزائر العسكرية  وتفكيك وحدتها الجغرافية عبر الفتن العشائرية  والقومية ..

إن الرهان في وقف حالة التدهور والإنهيار العربي الرسمي، يبقى من خلال الجماهير العربية وقواها الحية من قوى وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني مناهضة ورافضة للتطبيع،فالقوى المعادية سواء امريكا ودول الغرب الإستعماري والعديد من المشيخات الخليجية،تريد أن تسقط كل دول النظام الرسمي في "وحل" التطبيع،والعداء لكامل محور  ا ل م ق ا و م ة.. مستخدمة  "سيوف" سياسة الضغوط القصوى من عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية،وتوظيف المال في خدمة هذا المشروع من أجل شراء الذمم لقوى وأحزاب ودول يجري اشراكها في ترجمة تلك العقوبات الى أفعال والإلتزام بها،وكذلك شن حرب اعلامية ونفسية على كل من يرفض من دول وقوى ومؤسسات عربية شرعنة التطبيع،واعتبار وجود دولة الإحتلال كجزء طبيعي من جغرافيا المنطقة،وأن يكون لها اليد الطولى في القيادة والتوجيه.

نقل " الإسهال" التطبيعي الرسمي الى المستوى الشعبي والجماهيري يواجه استعصاءات كبيرة،فالجماهير الشعبية" التي يجري افقارها وتجويعها و"طحنها" من قبل الأنظمة الرسمية العربية،ترفض شرعنة التطبيع على المستوى الشعبي،حيث الإحتجاجات والمظاهرات التي تتسع دوائرها يوماً بعد يوم رفضاً للتطبيع

..تشكل عوامل ضاغطة على دول النظام الرسمي العربي للتراجع عن خطواتها التطبيعية مع دولة الإحتلال،والتي تحتل كامل فلسطين واراضي دول عربية اخرى سوريا  ولبنان ،وتعبث بالأمن القومي العربي،وتريد السيطرة على خيرات وثروات الأمة ونهبها،واعاقة تقدمها وتطورها،وبما يبقيها في دائرة الجهل والتخلف.