عن جابر عصفور!
تاريخ النشر : 2022-01-02 10:09

قبل أيام، كان الدكتور جابر عصفور قد نعى الدكتور فوزى فهمى، وقد بدا فى نعيه الحزين يومها وكأنه يرغب فى اللحاق به، ولم يكن يدرى أن هذا سيحدث بالفعل فى ختام السنة!.

كلاهما كان من الكوكبة العالية التى أحاطت بفاروق حسنى فى وزارة الثقافة، وإلى جوارهما كانت أسماء من ذات الوزن تحيط بالوزير الفنان، وكان كل اسم منهم يستطيع أن يملأ كرسى الوزير وأكثر.. وكانت هذه من بين مزايا الرجل، الذى لم يكن يجد فى وجود أسماء من أصحاب الوزن الثقيل إلى جواره ما يهدد مقعده الوزارى.. فالعكس كان صحيحًا لأنهم جميعًا كانوا يضيفون إليه، وكانوا يضيفون إلى الوزارة، وإلى العمل الثقافى بمفهومه الشامل، ثم إلى العمل العام، الذى لا يصل أثره إلى الناس إلا من خلال أسماء من هذا النوع!.

كنت أزور الدكتور عصفور فى بيته فأشعر وأنا على باب العمارة بأنى ذاهب إلى مجمع ثقافى رفيع، لا إلى بناية يسكنها أشخاص عاديون.. ففيها كان يقيم الدكتور الطاهر مكى، والدكتور محمود الربيعى، والدكتور محمود مكى، والدكتور حسين نصار.. وهكذا.. وهكذا.. إلى آخر الأسماء العظيمة التى تخرجت فى كلية الآداب فأعطتها ثقلًا فوق ثقلها، أو دار العلوم التى أخرجت الكثير من النجوم المضيئة، لم يكن أولها الدكتور كمال بشر، ولا آخرها الدكتور أحمد شلبى، أو الدكتور حامد طاهر، أو الدكتور عبدالله شحاتة، أو الدكتور عبدالصبور شاهين، إلى آخر القائمة الطويلة!.

كان الدكتور عصفور تلميذًا لعظيمين: عميد الأدب طه حسين، ثم الدكتورة سهير القلماوى، التى راحت تتعهده منذ البداية لما أحست فيه بما كان يميزه بين تلاميذها!.

ولأنه تتلمذ على هذين الاسمين الكبيرين، وعلى سواهما طبعًا، فلقد كان امتدادًا لهما على صورة من الصور، وعاش نصيرًا قويًا للعقل يدعو إلى تحكيمه فى حياتنا كلها.. وكان ذلك يجلب عليه الكثير من المشكلات، ولكنه لم يكن يبالى لأنه كان على يقين بأن تحكيم العقل فى كل شىء هو السبيل لكل أمة إلى مكانتها بين الأمم!.

وعندما تولى وزارة الثقافة فإنه غادرها مستقيلًا بعدها بأيام معدودة على أصابع اليدين، ثم ما لبث أن عاد إليها مرةً ثانية.. فلقد عاش يضيف إلى كل موقع يتولاه، وعاش يستمد استقلاليته من استقلالية الجامعة التى نشأ فيها وتعلم!.

يرحمه الله رجلًا من رجالات البلد!.

عن المصري اليوم