في زيارة بايدن المنتظرة للمنطقة.... الفلسطينيون بإنتظار مزيد من الظلم والتهميش
تاريخ النشر : 2022-06-19 15:09

بعد تأجيلها أكثر من مرة، أعلن البيت الأبيض مؤخراً أن الرئيس سيزور الشرق الأوسط في منتصف شهر تموز/يوليو القادم، حيث ستكون تل أبيب المحطة الأولى للزيارة، ومنها سينتقل في اليوم التالي لبيت لحم حيث سيلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ثم ستقلع طائرته في رحلة مباشرة للعاصمة السعودية الرياض التي ستشهد قمة أمريكية عربية، تضم إلى جانب السعودية دول مجلس التعاون الخليجي وكل من مصر والأردن والعراق.

ولما كانت رحلات الرئيس الخارجية الأولى، مؤشراً على أولويات سياسته الخارجية، وإيذاناً ببدء تنفيذ إستراتيجيته للأمن القومي، تكون منطقة الشرق الأوسط هي ثالث أولوياته بعد كل من أوروبا الغربية ومنطقة شرق آسيا، حيث زار أوروبا مرتين، الأولى ضمن جدوله العادي والثانية جاءت إضطرارية بعد نشوب الحرب في أوكرانيا، وكانت سول عاصمة كوريا الجنوبية محطته الثانية التي زارها بتاريخ 20/5/2022، والتي التقى فيها بدول محور (كواد) الذي يضم كل من اليابان وكوريا الجنوبية والهند وإستراليا.

وكان بايدن قد إعتمد مقاربة مختلفة عن تلك التي حكمت سلفه ترامب في نظرته للنظام العالمي، لا سيما للشرق الأوسط، وكانت مجموعة من اكثر الشخصيات خبرة في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط الذين عملوا في إدارات أمريكية مختلفة بدء من كلينتون وحتى ترامب، سواء في وزارة الخارجية أم في مجلس الأمن القومي، قد تمرسوا في رسم وتنفيذ سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط قد طوروا هذه المقاربة للرئيس الجديد.

وفيما تشاركت هذه المقاربة مع مقاربة ترامب للشرق الأوسط لا سيما، بما يخص التزام واشنطن الحديدي بأمن إسرائيل، والتسليم  بأن واشنطن قد إنخرطت أكثر من اللازم في الشرق الأوسط (وهكذا كان اعتقاد سلفه أوباما) وعليها التقليل من حجم هذا الإنخراط، إلا أنها اختلفت مع مقاربة ترامب بشأن كيفية تقليل مخاطر الولايات المتحدة بالمنطقة، وكذلك بشأن نوع الشرق الأوسط الذي يخدم الشعب الأمريكي والمصالح الأمريكية العليا.

وكانت هذه المجموعة قد جادلت في مقاربتها التي نشرها معهد بروكمجز العام 2020 في كتاب وسم بعنوان "إعادة الإنخراط في الشرق الأوسط: رؤية جديدة للسياسة الأمريكية" بأن ترامب قد جاء للحكم العام 2016 محملاً بالرغبة في الإبتعاد قدر الإمكان عن صراعات المنطقة والتخلي في نفس الوقت عن أي دور قيمي أو أخلاقي أو حتى قيادي للولايات المتحدة الأمريكية، وركز بدلا عن ذلك على المعاملات التجارية التي تجذب لشركات السلاح والطاقة الأمريكية المليارات، وعلى إرضاء قاعدته الإنتخابية المنحازة في غالبيتها للرواية الإسرائيلية.

وقد تجلت هذه الرغبة في قراراته التي كان من أهمها الإنسحاب من الإتفاق النووي مع إيران، والإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفرض على الفلسطينيين خطة سلام لا تعني سوى إستسلامهم، وسمح لإسرائيل بضم مناطق واسعة من الضفة الغربية لسيادتها، وإعترف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية، وطلب من دول الخليج تمويل اي عمليات إعمار في سوريا، وفوض السعودية والإمارات في شأن اليمن.   

وعلى الرغم أن الحرب الروسية على أوكرانيا لم تنتهي بعد، إلا أن ما حققته من نجاحات عسكرية واقتصادية بدت واضحة حتى الآن لا سيما، على إقتصادات كل من اوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، قد أجبرت بايدن على تغيير رؤيته للشرق الأوسط، إذ تجلى ذلك في  اتخاذه قرار زيارة المنطقة بعد طول إنتظار، الأمر الذي اعتبره (إلداد شافيت) من معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي في تغريدة له نشرها المعهد بتاريخ 16/6/2022، بمثابة تغير نوعي في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.

نعم لقد أصاب شافيت في تغريدته، فزيارة بايدن للمنطقة بدء من تل أبيب هي إستدارة نوعية في الإستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وهي بلا شك تعتبر إنتصار (لكنه إنتصار وهمي) لأولئك الذين جادلوا ضد مقاربة بايدن وظلوا يرون أن هناك ضرورة لعودة أمريكا للهيمنة على المنطقة كما كانت في عهد بوش الإبن وذلك لمواجهة نفوذ روسيا والصين المتنامي في المنطقة، الأمر الذي يعني أن بايدن يعود عملياً لرؤية سلفه ترامب تجاه الشرق الأوسط، حتى وان ظل يرفع شعار التمسك بحل الدولتين، الذي يدرك في قرارة نفسه أنه لم يعد بالإمكان تطبيقه وأن إسرائيل تفضل أن تكون دولة أبارتهايد على قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967.

وتأسيساً على ذلك ستعيد إدارة بايدن المنتظرة للمنطقة إنتاج ظلم الفلسطينيين الذي كانت واشنطن ومعها (العالم الحر) قد رسخته بعد الحرب العالمية الثانية عندما صاغت النظام العالمي الذي تنكر ولا زال لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.