التنظيم السياسي أم سلطة الحكم أكبر!
تاريخ النشر : 2022-07-02 08:28

من نافل القول إن التنظيم السياسي يروم الحكم والوصل إليه، الخاصية الأساسية التي يميزه عن بقية الحركات والتنظيمات الاجتماعية الأخرى، إلا أنَّ الحكم بحد ذاته وسيلة التنظيم السياسي؛ للنفاذ إلى المجتمع لتحديد أولوياته وتوجيه غاياته، ولإحداث التغيير الاجتماعي، ولتطوير البنى الثقافية بما ينسجم مع قواعد العقد الاجتماعي المتفق عليه "وثيقة الاستقلال والدستور" والناظم لمؤسسات النظام السياسي وللعلاقة بينها، والمحدد للحقوق والحريات، والضامن للقيم الاجتماعية والثقافية للمجتمع بمجمله.

أيّْ بمعنى آخر الحكم وسلطته هي وسيلة للتنظيم السياسي وليست هدفاً بحد ذاته؛ لا ينبغي أن تتحول لغول يبتلعه كقوة اجتماعية، وفي الوقت ذاته تبقى عين التنظيم السياسي على المجتمع لنيل رضاه والإبقاء على القبول السياسي لتوجهاته مما يتطلب فهم عميق لاحتياجات المجتمع والاستجابة لتطلعاته وتقوية العلاقة بينهما والالتصاق دائم به.

فعلى الرغم من الرغبة الجامحة للوصول للحكم لدى التنظيم السياسي وأعضائه إلا أنَّ التنظيم السياسي يبقى مرجع ممثليه في مؤسسات الحكم وأدّاة الرقابة السياسية الأولى على أعضائه في الحكم سواء كانوا في السلطة التنفيذية أو التشريعية بهدف استمرار بقاءه في الحكم من ناحية وقدرته على بناء علاقة مستمرة مع المجتمع بغية إحداث التغيير المبتغى أو المراد وفقاً للمنطلقات الفكرية للتنظيم السياسي الكامنة في مبادئه وأهدافه وبرنامجه السياسي.  

إن تحول التنظيم السياسي من قوى اجتماعية إلى حزب السلطة أو ما يعرف بالحزب الحاكم أو إلى حزب الحاكم يحدث تحولا في مفهوم الحزب ذاته من قوى اجتماعية تمتلك القدرة على المرونة في تطوير ذاتها إلى إدارة أو أداة بيد المؤسسة السياسية المحكومة بعلاقات القوة المادية السلطوية، أي يتحول من مساحة للفكر إلى قوة يستخدمها المتنفذون في أجهزة الحكم، بشكل خاص الأمنية منها، لتعزيز سلطتهم في منازعاتهم في المواجهة للصراع على النفوذ والمكانة من جهة، وإلى آلية إدارية ميكانيكية للعمل لدى الفنيين لتنفيذ سياسات الحكومة المحكومة بقدرات وامكانيات سلطة الحكم وسطوتها من جهة ثانية.

إن انغماس التنظيم السياسي في الحكم وسطوته وإزالة الحدود الفاصلة بينهما، وبين كوادره ومؤسسات الحكم يصيب التنظيم السياسي بتصلب بناه الداخلية وغرق كوادره في المنافسة على المناصب الإدارية في المؤسسات والأجهزة الحكومية، ويضعف مساحات الديمقراطية داخل الحزب بتلقي قواعده الأوامر التنظيمية عبر المسؤولين الإداريين، ويتراجع الفكر الاجتماعي للتنظيم السياسي لحساب الخطط التنفيذية المحكومة بالقدرات المادية.

في ظني تحول التنظيم السياسي من حزب يسعى للوصول للحكم لتحقيق غاياته إلى الحزب الحاكم أو حزب الحاكم الهادف إلى إحكام السيطرة على مفاصل الحكم للبقاء فيه أو تخليد الزعيم، يرهن مستقبل التنظيم السياسي بالحكم وسكراته وتشوهاته وآفات الفساد السياسي وضعف النزاهة السياسية التي تعتريه. ويتحول بذلك التنظيم السياسي من حزب طليعي يتميز بالمبادرة والتضحية وبإقناع الجماهير إلى حزب يركن لسطوة الحكم وسلطتها الدافعة للانفصال عن الجماهير والقاضية بانصرافهم عنه وانفضاضهم من حوله؛ فالمكتسبات وإنجازات الحكومة بمعناها الواسع هي للأشخاص أو مؤسسة الحكم التي تتحكم بمقدرات الدولة أما الأخطاء والهنات فيحاسب عليها التنظيم السياسي باعتبارهم خياراته هو، إيذانا بزواله كإحدى القوى الاجتماعية.