نصيحة صادمة
تاريخ النشر : 2022-07-07 08:17

النصيحة، هي تعبير عن إرادة الخير وتكون إما بتقريب شخص ما إلى ما ينفعه ويكون فيه صلاحه وسعادته أو بإبعاده عما يضره ويكون فيه فساده وشقاءه، والنصيحة من كمال الدين بل هي الدين كله لقول رسولنا الكريم "الدين النصيحة"، ولها آدابها وشروطها كي تحقق الغاية النبيلة منها، والبيان الصحفي الذي أصدره جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني للطلبة الذين تقدموا لامتحان الثانوية العامة "التوجيهي" للعالم الدراسي ٢٠٢١/ ٢٠٢٢، والذي جاء تحت عنوان « مجالات الدراسة والعلاقة بسوق العمل للأفراد من « ٢٠-٢٩ سنة» لعام ٢٠٢١، وإن حمل صفة النصيحة إلا أنه جاء بأرقام مفزعة وهو يحاول أن يضع أمام الطلبة فكرة عن التخصصات المشبع المجتمع بها والتي يعاني أصحابها من نسبة بطالة مرتفعة.
طبقاً لبيان الجهاز فإن أعلى معدل للبطالة بين الأفراد (٢٠-٢٩ سنة) الحاصلين على شهادة دبلوم أو بكالوريوس في العام ٢٠٢١ في قطاع غزة كانت من نصيب تخصص الرفاه بنسبة بلغت "٨٨٪"، تلاه تخصص العلوم الاجتماعية والسلوكية بنسبة "٨٦٪"، فيما وصل أعلى معدل للبطالة لذات الفئة في الضفة الغربية في تخصص الفيزياء بنسبة "٦٠٪" تلاه تخصص الرفاه بنسبة "٥٠٪"، وما يثير القلق أن معدل البطالة لنفس الفئة علي مستوى الوطن لكافة التخصصات بلغت "٥٣٪" بواقع ٣٥٪ في الضفة الغربية و٧٤٪ في قطاع غزة، ولا بد أن تشكل هذه النسب مؤشراً مقلقاً سيما ما يتعلق منها بالبون الشاسع في نسبة البطالة بين الخريجين في شقي الوطن، ولا بد من تحليل دقيق للأسباب التي أدت إلى ذلك وكيفية العمل على تقليص تلك الفجوة، والتي لا يمكن أن نعزوها فقط للحصار المفروض على قطاع غزة رغم أنه مشارك فيها، لعل النصيحة التي يعنيها الجهاز ببيانه أن يبتعد الطلبة عن الالتحاق بالتخصصات التي حددها وتشهد نسبة بطالة عالية، ولم يتطرق الجهاز للتخصصات التي يحتاجها السوق لأن البطالة حطت برحالها في كل التخصصات بدون استثناء وإن كانت بنسب متفاوتة.
يشير تقرير جهاز الإحصاء المركزي إلى أن عدد المتقدمين لامتحان الثانوية العامة للعام الحالي يزيد عن ٨٨ ألف، فيما بلغ عدد خريجي مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية ٤١،١٣٧ خريج وخريجة في العام الدراسي ٢٠١٩/٢٠٢٠، هذا خلاف خريجي الجامعات خارج الوطن، ويقدر الجهاز أن قدرة استيعاب السوق المحلي هي في حدود ٩ آلاف فرصة عمل سنوياً للخريجين، أي أن لدينا ما يزيد عن ٣١ الف خريج وخريجة ينضموا سنوياً إلي جيش البطالة، هذا بخلاف الخريجين العائدين للوطن الذين أتموا دراستهم في جامعات خارج الوطن، وهو بالمناسبة رقم غير هين ويفاقم كثيراً من المعضلة، لم يبين التقرير مقارنة بين عدد الخريجين الذين ينضموا الى العاطلين عن العمل سنوياً في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ولعل الفجوة التي تزداد اتساعاً هي ما حجبت ذلك.
لا شك أن الأرقام التي جاءت في بيان جهاز الإحصاء مرعبة ولا بد من التوقف حيالها، فلا يمكن لقيادة مسؤولة أن تتجاهلها ولا يمكن لها أن تفلح في ذر الرماد في العيون بالحديث عن إنجازات شكلية هنا وهناك لاخفاء الآثار الكارثية الناجمة عن تضخم البطالة لهذا المستوي وبالذات لدى فئة المفترض أن تشكل قاعدة الفعل لأي مجتمع، ولا يجوز لنا التعامل مع نسبة البطالة وبالذات لدى الشباب باعتبارها مجرد أرقام بل علينا أن نعي جيداً انعكاساتها الخطيرة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، الدول التي تستطيع تقليص نسبة البطالة لديها بمعدل من "١-٢٪ سنوياً" يسجل لها باعتباره انجازاً كبيراً، فكم هي السنوات التي نحتاجها كي نقلص نسبة البطالة لدينا إلى النسبة التي يمكن التعايش معها؟، دون أن تكون هنالك سياسة واضحة تعمل على وقف تضخم نسبة البطالة أولاً ووضع منهجية لتقليصها بعد ذلك ودون أن يحظى ذلك بأولوية لدينا تتقدم عما سواها سنكون أمام كتلة جارفة تنحدر بالمجتمع وتبعده عن أهدافه، والشعارات مهما حملت من قدرة بلاغية تبقى عاجزة عن إيجاد فرصة عمل واحدة، والحديث عن إنجازات في ظل نسبة بطالة فلكية استهبال بمعني الكلمة.