المعارضة ودور الأوركسترا
تاريخ النشر : 2022-08-18 09:23

في العقليتين في داخل التنظيم السياسي حيث الأولى العقلية الوظيفية الانتهازية تُبهرج وتزيّن وتكذب وتتزلّف، والثانية أي العقلية النضالية المثابرة الديمومية تنتقد وتعمل وتُظهر المعايب دون إغفال للإنجازات، وبذا تقاطع أصحاب كل التجارب بين الفئتين يستقوي كل منهما بتجربته الخاصة ليكون إما أكثر انتهازية وإما أكثر وطنية ومازال الصراع قائمًا في فتح وما ينسحب بالحقيقة على كل تنظيم سياسي أو ثوري.
شكلت "شخصية اللجنة المركزية" لحركة فتح دومًا عنوانًا جاذبًا للحركة بمعنى أن الاختلاف حول مسلك أوموقف أو رأي أي من أعضائها باعتبارها الهيئة العليا كان يُفهم أن القدرة على ضبطه واردة من خلال "أوركسترا" الإطار الذي يناور بين حدّي التشدد والميوعة فيحقق الضبط والاتزان الصعب، انتصارًا "لقانون المحبة" الفتحوي على المفاصلة أوالحسد أو الحقد، وانتصارًا لعين الرضا وتغليبها على عين السخط، إلا في مواقف محددة قاسية مثل "الانشقاق".
وبمناسبة ذكر الانشقاق فإن ما حصل على شدّته وصعوبته من قتل واستقواء بالخارج الا أن "شخصية اللجنة المركزية" استطاعت التغلب عليه، فعاد الكثيرون لحضن الحركة الأم فرادي كما دخلوها فرادي وكذلك الحال مع "جماعة أبونضال" التي أسمت نفسها فتح-المجلس الثوري التي قتلت من أبناء الحركة وأبنائها ذاتها ما يسوّد صفحة الجماعة لأمد طويل.
مال الميزانُ في الفترة الأخيرة داخل فتح نحو التشدّد من قبل الإطار الأول في تعامله مع المتغيرات التنظيمية ما لم تعهده الحركة، فرأينا الكثير من القرارات التي تتبرم بالاختلاف بدرجاته فتحبّذ اختراع (أو تفصيل وتكييف) القوانين التي تُجيز البتر على الاستيعاب، وتحبّذ الشدّة على اللين وتؤثر القطيعة المذمومة على التواصل المحبوب، وهو إن كان له من المبرر الشرعي أو القانوني فإنه لايصمد في ظل حركة وطنية رحبة هي شبِيه فلسطين وشبيه الشعب الفلسطيني بتنوعه، وهي الحركة التي مازالت تسعى جاهدة لنيل الاستقلال لدولة تحت الاحتلال على طريق النصر.
حركة فتح في أعين الجماهير لها صورة تاريخية مُبهجة وعظيمة غالبًا، ولكنها اليوم لها أكثر من صورة فحين ينظرون للأرض والميدان لا يجدون من أبناء المقاومة الجماهيرية الفاعلة الا أبناء الفتح الميامين فيُعلون من درجاتها حتى تحوز كامل الرضا، ولكن حين ينظرون لتداخلات السلطة الوطنية وبعض مساوئها (أو ما يظنونه مساؤي لها) يعكسون الجزء المستلب من الشخص أوالعدد المحدود على الكُلّ، فتصبح حركة فتح سلطة والسلطة فتح بمعنى النظرة السلبية هنا، وبذلك تتشوه الصورة ذات التألق المرسومة في ذهن الناس. أو يقعون فريسة الصورتين المختلفين بين الإيجاب والسلب وأصحابهما، أو يتوهون مع تعدد الصور لاسيما وعدو متربص يضخّم الأخطاء ويعظّم المساؤي، وتجد من أخوتك ممن يتساوقون معهم بقصد او بجهالة.
وبناء عليه فإن حركة فتح الحائرة بين الثورة والدولة، أو الوظيفية والنضالية قد نقلت حيرتها لحركة "حماس" فرأينا ذات الأمر مكررًا، إذ أن صعوبة أن يتواجد الاستقرار (السلطة) مع الثورة (المقاومة) هي صعوبة حقيقية نراها كل يوم ما يحتاج منّا لضبط الايقاع في سياق وطني وحدوي سواء داخل إطار كل تنظيم أو فصيل سياسي، وبينه وبين الآخرالوطني وفي الإطار والبرنامج الجامع لها جميعًا.