كابلات الانترنت بعد "نورد ستريم"... شدوا الاحزمة
تاريخ النشر : 2022-10-05 20:54

ايا كانت الاسباب التي ادت الى تسرب الغاز من خطي "نورد ستريم" فان الهدف منها، او المستفيد، يبقى واحدا، لذا حين نطالع وسائل الاعلام الاميركية، وتلك اللغة التي تتحدث بها عن الحدث يخالجنا الشك ان ثمة ايدي لعبت لعبتها، وهي ذاتها التي تثير مسألة قطع كابلات الانترنت عبر المحيط، ما يعني السعي الى ايجاد ذرائع لتوسيع دائرة الصراع الاوروبي – الاميركي مع روسيا.
في تقرير نشرته محطة"الحرة" الاميركية على موقعها الالكتروني، وردت بعض الملاحظات منقولة عن لسان محللين اميركيين، ولا شك ان اللغة التي تحدث بها هؤلاء تبدو مخابراتية بامتياز، ومنها ما يشبه الرسالة اذ نقلت المحطة عن هؤلاء المحللين المجهولين "من جانبهم أوضح محللون عسكريون إن الكرملين يمكن أن يتسبب بسهولة في إحداث فوضى من خلال قطع كابلات البيانات البحرية أو تدمير خط أنابيب آخر، حيث أشار مصدر دفاعي بريطاني إلى أن التخريب "المتعمد" ربما تم تحضيره بواسطة طائرات بدون طيار تحت الماء كانت قد زرعت المتفجرات قبل أسابيع، ويمكن أن تشمل الأهداف المستقبلية الكابلات التي تحمل معلومات مالية حساسة عبر المحيط الأطلسي، وبالتالي المخاطرة بانهيار البورصات، أو استهداف الكابلات تلك التي توفر الوصول إلى الإنترنت لمناطق كبيرة في أوروبا".
قبل بدء العملية الروسية في اوكرانيا قال الرئيس الاميركي جو بايدن خلال مؤتمر صحافي عقد في الثامن من فبراير الماضي مع المستشار الالماني :"إن الولايات المتحدة ستضع حدا لخط أنابيب الغاز الروسي الذي يصل إلى ألمانيا، اذا غزت روسيا اوكرانيا"!
بعد التطورات التي حصلت في اوكرانيا والتورط الغربي بالدعم الضخم، والاجراءات الروسية المضادة، برزت مسألة الغاز والنفط الى الواجهة مجددا، وكان تقرير شبكة" سي ان ان" واضحا لجهة استعداء اي طرف في تجمع "اوبك بلس" يؤيد تخفيض كميات النفط المنتجة، في المقابل بدأت مجموعة من الاصوات الاميركية بالحديث عن تورط "اميركي في تفجير خط نورد ستريم".
لا شك ان كل طرف سيعمل على النأي بنفسه عن هذه المشكلة الضخمة بالنسبة الى اوروبا، وبالتالي فان الفاعل سيبقى مجهولا الى ان يحين موعد الكشف عن خفايا هذا الصراع، وذلك لن يكون في السنوات القليلة المقبلة، لكن السؤال: الا يمكن ان تكون عملية "نورد ستريم" خطوة في طريق الالف ميل الى حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، وان يكون حديث الخبراء العسكريين (المجهولين) عن كابلات الانترنت واحدة من رسائل الضغط؟
في كل الحروب، وكما هو معروف، هناك تحذيرات مخابراتية عبر وسائل علنية، وهي من العادات القديمة في الحروب والازمات، لهذا اذا فشلت عملية خط الغاز، ربما تكون هناك اخرى، او يكون حديث "الخبراء المجهولين" اشارة واضحة الى ان الصراع يتجه حاليا الى مكان اخر، خصوصا بعد التطورات الاقتصادية التي شهدتها كل من الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي، والانكشاف الذي بدت عليه اوروبا في موضوع الطاقة، والعجز عن تلبية مطالباته، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة الى تعزيز اقتصادها من اجل كبح التضخم، لان رفع معدلات الفائدة ليس كافيا، اذ يحتاج الى تشغيل الايدي العاملة محليا.
هذه التحديات الاميركية- الاوروبية تواجهها تحديات دولية اخرى، اذ باعتقاد الاميركيين والاوروبيين ان اي تراجع في اوكرانيا سيقابله انهيار في الدول الـ"ناتو" المحاذية لروسيا، كما انه يزيد من القوة الصينية بعد فشل محاولات توريطها في تايوان، وهذا بالتالي يستدعي عدم ترك الوضع في اوكرانيا على ما هو عليه من كر وفر من دون تحقيق اي نتيجة تخدم اوروبا التي باتت تعاني من نقص الامدادت العسكرية جراء الدعم المبالغ لاوكرانيا.
ماذا يعني هذا؟
الحرب هي معارك صغيرة، وحلقات تتواصل بين بعضها بعضا، وبالتالي من يسعى الى كسبها لا بد ان يحقق الكثير من الانتصارات الصغيرة، ومن لا يخسر لا يربح، لذا يمكن القول ان المعركة الاولى كانت اوكرانيا، والثانية سلسلة العقوبات الغربية والاوروبية على روسيا، والثالثة محاولة توريط الحليف الكبير لموسكو، اي بكين في تايوان، والرابعة خط "نورد تسريم"، فهل تكون المعركة الخامسة كابلات الانترنت وتأثيرها على بورصات العالم ومراسلاته المصرفية على امل ان تكون المعركة قبل الاخيرة في الطريق الى تكبيد روسيا والصين هزيمة كبرى وتدجينهما، او يكون بداية لتبلور نظام عالمي جديد؟
ايا كانت النتيجة ثمة حقيقة لا بد من الاعتراف بها وهي: في عالم المجانين كل شيء متوقع، لكن الخوف يبقى هو المسيطر، وبالتالي سنشاهد الكثير من التطورات والاحداث، لكن من المستبعد ان يغط احدهم على زر اطلاق الصواريخ النووية، لان للجنون ايضا حدوده ولا ينتحر الا اليأس.