أمريكا تعلن الحرب على الأوبك.. سلاح المفلسين في الزمن الضائع
تاريخ النشر : 2022-10-09 09:24

في حالة من الهستيريا السياسية تتوالى تهديدات المسؤولين الامريكان جراء قرار الأوبك بتخفيض انتاجها بمليوني برميل عشية اعلان أمريكا عن نيتها بضخ مليوني برميل زيادة عن المعدل العام.. بل يعلو الصوت من قبل الرئيس الأمريكي ونواب في الكونجرس بضرورة تأديب المتزعمين لأوبك والمتسببين برفع سعر المحروقات عالميا.. بل إن مشروع قانون يتم تقديمه الأن للكونجرس لتشكيل محكمة أمريكية لمقاضاة دول الأوبك ان هي استمرت في عدم استجابتها للرغبة الامريكية بزيادة الضخ.
هكذا تتوسع الحرب الامريكية الروسية لتشمل مؤسسات اقتصادية وسياسية عالمية وليس من المحتمل ان تتوقف المعركة عند حد معين او في جبهة محددة بعد ان أصبحت إرادة الطرفين واضحة وخط قتال أخير، وإن أي تنازل من أحد الطرفين يعني تغييرا جوهريا على الخريطة السياسية في العالم.
وفي واحدة تشبه تحالفات الحرب العالمية الثانية وتبدلاتها تبدو الحرب الحالية فصديق اليوم قد يصبح عدو الغد وهكذا بالعكس الامر الذي يعني بوضوح ان اصعب ما يمكن ان يواجه دولة او جهة ما هو كيفية صياغة موقفها في تلاطم المواجهات التي تظللها الأسلحة النووية والتي أصبحت قريبة من التشغيل.
مؤتمر جدة كان البداية:
لقد كتبنا على وقع اعمال مؤتمر جدة الذي ضم رؤساء وحكام عرب للرئيس الأمريكي وقلنا ان المؤتمر هذا سيسجل في التاريخ انه بداية الانشطار بين الموقف الأمريكي والعربي فكل ماجاء من اجله الرئيس الأمريكي تم الإعلان عن عكسه تماما من قبل الأمير محمد بن سلمان وحكام الخليج، ولم يخف الرئيس الأمريكي امتعاضه من موقف فاق حد التخيل لديه فلقد كان مطمئنا ان التطبيع الذي علت نبرته في الفترة الأخيرة اصبح مناخا عاما لدى العرب مما شجعه الى العلان حال وصوله مطار اللد في فلسطين المحتلة انه صهيوني وانه شريك عملي لقادة الكيان الصهيوني في المراحل الصعبة.. ولا يخفف من خيبته إعلانه الأخير انه لم يذهب الى المنطقة للحديث عن البترول وانما من اجل إسرائيل..
للمرة الألف تكتشف الولايات المتحدة خطأ تقديراتها للمنطقة وعظيم مفاجآتها من تصرف من كانت تظنه في حلف التبعية المستبد، ولكم كانت كارثة اخطائها على اقتصادها وسمعة جيوشها الامر الذي ترتب عليه خسارات فادحة اقتصادية وسياسية واستراتيجية ولقد يجوز للمراقب ان يقول ان كل حروب أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية منيت بنتائج كارثية لها رغم ما أوقعت في جنب الشعوب وبلدان العالم من ضحايا.. الحديث هنا لا يجعل مساحته فترة قصيرة من الزمن بل هو يغطي مساحات معتبرة من الزمن يمكن تاريخها منذ نهايات الحرب العالمية الثانية التي قطفت الولايات المتحدة نتائجها ففرضت هيمنتها على العالم بما فيه اوربا الحليف التقليدي.
جاء مؤتمر جدة بعد ان اصبح التبشير بالدين الابراهيمي موضة العصر وقام الكبار من صناع القرار الدولي بزيارة المنطقة من الناصرية في العراق الى دبي وتفحص طريق سيدنا إبراهيم لإقامة الكنس والبيع والمساجد في صيغة جديدة لدين جديد وجد من المروجين له كل تشجيع ودعم ولقي بعض الإعلاميين فرصة تعيشهم واستغلوا العملية السياسية في التنظير للدين الابراهيمي والذي يكون قد تجلى في جعل الصهاينة المحتلين جزءا اصيلا في المنطقة وافراد مساحة هامة لهم لإظهار تعبدهم وشعائرهم وتمظهرهم في بلاد عربية لم تعهد من قبل وجودهم..
مصداقية الإدارة الامريكية:
واضح تماما ان الامر قد اعد له منذ سنوات طويلة على الجبهتين الامريكية والروسية وان كلا منهما قد اعد دراسات مستفيضة واحتمالات عديدة لسيناريوهات احتدام المواجهة، ولم تكن روسية فقط على طاولة البحث الأمريكي بل وأيضا نشاط الصين ومشروعها العالمي طريق الحرير ومحاولتها للسيطرة على موانيء العالم ومطاراته ومشاريع الدول النامية الاستراتيجية.. صحيح قد تبدو مفاجآت للطرفين قد استجدت من ثنايا الصراع المستعر في أوكرانيا وعلى ضفاف القضية الأوكرانية.
مع أن روسيا لم تعلن حرب النفط والغاز في بداية الاشتباك واستمر تدفق الغاز الروسي للدول الاوربية بل والى أوكرانيا الا ان التدخل الأمريكي من حين الى اخر كان يصعد للضغط على الاوربيين بضرورة قطع النفط والغاز الروسي وفرض سلسلة إجراءات عقابية تشارك فيها اوربا مجتمعة.. وكانت حرب الاعلام التي تجيدها الإدارة الامريكية أداة متقدمة في الضجيج على الموقف الروسي المفتقد لاداة إعلامية مكافئة.. ومن خلال ضخ اعلامي متنوع موجه حاولت الإدارة الامريكية نسج رواية جديدة لحقيقة الصراع الدائر مؤكدة انها قضية احتلال لأرض الغير ولم يستطع الروس تغيير الرواية الامريكية بايصال روايتهم الى الراي العام وكانت هذه جولة حقق فيها الاعلام الأمريكي انتصارا على الضعف الإعلامي الروسي.. الان ان صمود الروس في مواجهة الجوقة الإعلامية الضخمة جعلهم في موقع الباحث عن أدوات أخرى للمواجهة بتوسيع رقعة الحلفاء والأصدقاء لتكسير حدة الإجراءات العقابية الغربية فكانت تحركات الروس نحو الهدن والصين ودول أخرى ..
وبعد فترة قصيرة من البروبوغندا الامريكية ظهر للجميع ان الاقتصاد الروسي لم يحطم بل ان ارتفاع سعر المحروقات عالميا أعاد للخزينة الروسية تعويضات كافية عن احجام الغاز التي لم تعد تصل الى بعض الدول الأوربية.. أما التحركات الامريكية فلم تفلح في توفير التعويض عن النقص الحادث رغم انها حاولت إعادة ضخ النفط الإيراني وها هي تضغط على ضخ الغاز اللبناني والفلسطيني المغتصب لعله يعوض في النقص، هذا فيما بدأت الدول الاوربية تضج من وعود لم يكن نصيبها الوفاء من قبل الولايات المتحدة التي كثفت اتصالاتها بالأصدقاء والحلفاء والاتباع لضخ المزيد الا ان كل ذلك لم يحقق شيئا ذا قيمة على اعتاب شتاء يتوقعه الجميع قارسا..
وجدت الولايات المتحدة الامريكية ان مصداقيتها مع اصدقائها في ارتباك وان جبهة الأصدقاء بدأت تتصدع واخذت كل بلد طريقها بنفسها للبحث عن مزودين بالغاز ووجد البعض ان الاتصال بالروس هو السبيل الأقوم.. لذلك كان لابد من ضرب أنابيب الغاز التي تمخر البحار نحو المستوردين وفي هذا تصرف خطير بدفع الأصدقاء الى البحث عن صيغ علاقة مع الروس تقلل حجم خسائرهم لاسيما وان لا إمكانية في تعويض النقص، وبدأت جبهة التحالف الدولي تتصدع في حين لاتزال تتدفق ارقى أنواع الأسلحة الامريكية على حكومة كييف بالإضافة الى غرف عمليات امريكية مشرفة على الساحة كما ان المستشارين الانجليز يجدو سبيلهم في تدريب النخبة الأوكرانية على استخدام أنواع الأسلحة المتطورة
الحرب الامريكية على الأوبك:
لقد سبق ان وعد حكام الخليج العربي بايدن في مؤتمر جدة بانهم سيرفعون ضخ النفط ب 2 مليون طنا زيادة على الإنتاج يوميا.. ولكن سير الاحداث يسير الى زاوية أخرى يكون اللاعبون الاساسيون لديهم مقدرة التصرف بعيدا عن الاملاءات الامريكية وان ما كانت تستهين ه أمريكا من وعد بضخ كمية 2 مليون برميل اصبح مطلبا بعيد المنال بل ان الدول العربية على راسها السعودية اتخذت مع روسيا قرارا بتخفيض الضخ بمقدار مليوني برميل وهنا كانت ضربة اقتصادية وسياسية استراتيجية في ميزان الصراع بين الروس والامريكان ..
منذ اللحظة الأولى اتهم الرئيس الأمريكي السعودية وروسيا بانهما المسؤول عن الازمة العالمية في ارتفاع أسعار المحروقات.. اليوم شهد تلويح برلماني امريكي بالتهديد المباشر للسعودية.. وتصاعد الخطاب الإعلامي والسياسي الأمريكي المدهوش من موقف أوبك بشن حملة على السعودية ووصل الامر الى الحديث عن استصدار قانون من الكونجرس بتشكيل محكمة اتحادية لمقاضاة أوبك ان هي نفذت ما أعلنت.
ومن الواضح حتى هذه اللحظة ان الاقتصاد الروسي لم يسقط وفي اعتقادي ان الإدارة الامريكية تدرك ان الاقتصاد الروسي لن يسقط بضربة قاضية من خلال عقوبات تحرمه من مليارات الدولارات مردودات الغاز والنفط والسلع الاستراتيجية الأخرى، لكن من الواضح ان حملة العقوبات هي جزء من حرب نفسية وتحشيد للعالم ضد روسيا حيث تراهن الولايات المتحدة كثيرا على الحرب النفسية والإعلامية.. لكن لم يخطر ببال الساسة الامريكان المشبعين غرورا ان يتململ بعض الأصدقاء والحلفاء ويصبحوا بغير وعي من احد في المعسكر الاخر.. وهنا تصبح الجبهة الامريكية في تصدع وصداع مستمرين متصاعدين.. فالاوربيون المتذمرون والباحثون بالسر والعلن عن وسيلة تنجيهم من برد الشتاء وخفض تكلفة الحرب على اقتصادهم الى العرب أصدقاء الامريكان الذين خذلتهم أمريكا في اكثر من موقع فتحركوا ليبحثوا عن ضمانات المنعة والحماية من خلال تفاهمات وتحالفات ولو جزئية باخرين.. ولعل ما يحصل الان في الأوبك يدلل بوضوح على خيبة العرب من السياسة الامريكية كما سبق ان تجرع حكام الخليج العربي الغصص من تحقير الامريكان وتقريعهم ومحاولة فرض شروط عليهم ضد مصلحتهم وضد مصالح شعوبهم.
هذا تضيف السياسة الامريكية واحدا جديدا من الأخطاء القاتلة.. فعندما يبدأ الحديث علنيا ضد السعودية فالامر يكون قد وصل الى قاع الدبلوماسية والعمل السياسي حيث العلاقات التاريخية المستقرة عبر عقود طويلة حيث كان للسعودية لمالها واتباعها دورا بارزا في عقود الحرب الباردة لتحطيم الاتحاد السوفيتي لاسيما بعد غزوه أفغانستان،
من نافلة القول ان السعودية تحظى في وجدان كل عربي ومسلم بما لا يحظى به بلد عربي أو مسلم اخر.. وهي بهذا تمثل الوجدان العربي والمسلم مهما كانت الاختلافات الطارئة مع حكامها في مواضيع معينة، وهكذا يصبح الاشتباك الإعلامي والسياسي معها كافيا لتعاطف المسلمين بل وتساندهم لها من شتى الأقطار وهنا ستوجه السياسة الامريكية صعوبات في اكثر من بلد في اسيا وافريقيا،
من الواضح ان المعركة المتواصلة بين الروس والامريكان تفقد الامريكان يوما بعد يوم حلفاء وأصدقاء وتكشف الانانية في السياسة الامريكية وعدم مراعاة الحلفاء لاسيما الاوربيين الذين وجدوا اننفسهم يساقون الى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل وكان يامكانهم فض الاشتباك مع الروس لو ترك الامر لهم.
كلمة لابد منها:
للذين يفهمون السياسة بالغوض في معطيات الماضي ووقائعه والاشتباك به على أساس ماضيه نقول ان هذا مضيعة جهد ووقت ومشاعر فلقد غادرنا الامس بكل مافيه واما اليوم فهو يحمل معطيات أخرى قد تتطور الى حالات قاسية وصعبة. ومن هنا اريد التأكيد على ان من كانت له مواقف على تصرفات ماضية فاليوم لايسمح باستمرار هذه المواقف في ظل التلويح بالتهديد لبلد الحرمين المقدسين فان تعرضت المملكة لأي عدوان او تهديد خارجي فسيكون العرب والمسلمون صفا للدفاع عنها.. وستكون مئات ملايين المسلمين على استعداد للموت دفاعا عن أرض الحرمين..
انا لا استبعد عدوان امريكي على السعودية قد لايكون مباشر ولكن هذا موضوع على طاولة التخطيط الاستراتيجي الأمريكي حسب خطة برناردلويس الذي أشار الى ضرورة توزيع المملكة على اربع دول او خمسة..
وهنا يبدو ان قراءة واقعية موضوعية يجريها صناع القرار في الولايات المتحدة ستعيد الرشد للقادة الامريكان وتعديل الخطاب والبحث في السياسة والدبلوماسية بدائل لخطابالحرب فالتسرع هنا خطأ استراتيجي قاتل فالسعودية ليست اي بلد..
لقد أخطأت امريكا كثيرا سابقا مع المملكة إيام ترمب وأيام بايدن.. اما أن يصل الكلام إلى تهديد فان هذا موضوع مفاجيء وستكون نتائجه مقلقة للامريكان..
فهل تبدأ مرحلة كسر هيمنة امريكا عن بلاد العرب او التحرر الجزئي من الضغط الامريكي؟
هل توفر روسيا علاقة غير مشروطه مع العرب وتزودهم بمفاعلات نووية واسلحة استراتيجية.. ؟؟
ليس لروسيا بديل عن العرب والمسلمين وامريكا اللاتينية حليفا استراتيجيا في انهاء التفرد الأمريكي بالتسيد على العالم.. والأيام ستحمل المفاجات.. والمهم ان نمتلك معيارا لكي لا تميل بنا الاحداث حيث لا ينبغي ان نكون.
وهنا فلسطين تمد لسانها لامريكا: يوم المظلوم على الظالم اقسى من يوم الظالم على المظلوم.. كل شيئ يسير الان في الصراع العالمي يقربنا الى فلسطين