مكتبة بلديّة بيتونيا تُنير قنديلا على "الكتابة على ضوء شمعة"
تاريخ النشر : 2022-12-02 14:14

تداعينا، زرافات ووحدانا، وبكلّ الودّ والسرور والحبو، إلى مكتبة بلدية مدينة بيتونيا المُتاخمة واللصيقة لمدينة رام الله، يوم السبت الماضي،26 نوفمبر، بعد الظهر، للمشاركة في الندوة التي تعقدها مكتبة البلديّة، لمناقشة كتاب "الكتابة على ضوء شمعة"، حول طقوس الكتابة عند الاسرى الفلسطينيين وراء القضبان وخارجها بعد التحرّر.

الكتاب من اعداد وتحرير المحامي والناشط الحيفاوي حسن عبّادي وفراس حج محمّد، الكاتب الشاعر الناقد. وهو عبارة عن مجموعة من المقالات كتبها معتقلون فلسطينيّون ما زالوا يقبعون وراء القضبان وآخرون تحرّروا من الاسر ويعيشون حياتهم الطبيعيّة أو يحاولون فعل ذلك.

والكتاب "الكتابة على ضوء شمعة" من منشورات دار الرعاة في رام الله وجسور للثقافة والنشر والتوزيع في عمّان.

وقد اجتهد حسن عبّادي خلال زياراته المُتكرّرة للاسرى وتواصله معهم في معتقلاتهم وبعضهم خارج القضبان في الفضاء الواسع الفسيح، وقام بتجميع هذه النصوص البديعة التي احتضنت تجربة الاسرى واحاسيسهم وفرحهم ومعاناتهم وابداعاتهم الادبية.

قام بتحرير النصوص بمشاركة فراس حج محمد وتجميعها وتنقيحها واخراجها بحلّتها البهيّة في كتاب حمل عنوان "الكتابة على ضوء شمعة"، بغلاف يميل لونه للأسود والعتمة تخترقه شمعةٌ مُتّقدة.

مكتبة بلديّة بيتونيا، التي كانت في الوقت ذاته تحتضن معرضا للكتاب، وفّرت حضنا دافئا ومقاما ومكانا "حميما"، بأجواء عائليّة جميلة، لندوة "الكتابة على ضوء شمعة"، مُنيرة هكذا قنديلا ساطعا أنار الدرب أمام شمعة الكتاب وجعلتها اكثر وهجا وتألقا وحضورا وحبورا.

الدينامو لهذه الفعاليّة البديعة هي السيدة آلاء القاضي، أمينة مكتبة بلديّة بيتونيا، التي "هندست" الفعاليّة واخرجتها بشكلها الراقي "المتين"، ووفّرت لها أجواء لطيفة عائلية، بحضورٍ راقي لطيف، زادت فيه عدد السيّدات الحاضرات اضعافا على عدد الرجال.

انطلقت الندوة مفتتحا ايّاها مقدّمها الاديب المناضل وليد الهودلي، وكان إلى جانبه على رأس الطاولة الكبيرة، "المدبوزة" بالمشاركين المُتحفّزين، حسن عبّادي "صديق الاسرى" معدّ العمل الابداعي الوطني الثقافي التوثيقي "الكتابة على ضوء شمعة"، شمعة متّقدة انارت للحاضرين الجوانب الابداعية للأسرى الفلسطينيين خلف القضبان وخارجها. ابداع متميّز مبدع ثري متورّد مدرار، في ظروف أقلّ ما يقال عنها أنّها بالغة الصعوبة بمعيقات جمّة محفوفة بالمخاطر والمخاطرة وعتمة الزنازين والقيود والاصفاد.

لكن ابداع الفلسطيني أينما وجد أو تواجد أو أجبر على التواجد لا حدود له، يخترق الظلام ويُحوّله إلى نور الابداع، يخلق من الحزن والمقت والقيد فرحا وانطلاقا وآفاقا رحبة فسيحة لخياله وعطائه ونور فكرة واتقاد ذاكرته، فليس أجمل ولا أسعد أوقاتا للأسير من صدور كتاب له وهو في الاسر، كما يقول ويؤكّد حسن عبّادي، مُعدّ الكتاب والمتمترس أبدا على ثغور الاسرى يزورهم في معتقلاتهم ويتواصل معهم ويتبنّى كتاباتهم ويعمل عليها ويُخرجها في كتاب بديع يُفرح قلب الاسير ويُفرح عائلته الصغيرة من بعده ويُفرح عائلته الكبيرة، الشعب الفلسطيني قاطبة.

عملُ رجلٍ واحد يوازي عمل دولة كاملة بمؤسّساتها وامكاناتها وقدراتها. يعمل بمبادرة ذاتيّة وامكانيّات شخصيّة، مدعوما من زوجته السيدة سميرة، كما قال وصرّح وافصح، يعمل بصمت وتواضع وبلا دعاية ولا ضجيج ولا "فشخرة"، يعمل بصدقٍ في سبيل الاسرى الابطال ومن أجلهم، ويُطلق المبادرة وراء المبادرة مقرونة بالعمل والجهد والكدّ وذرع الاراضي الفلسطينية من اقصاها إلى اقصاها.

بدأ بسلسلة مقالات "متنفّس عبر القضبان"، ثم اتبعها بمادرة "لكل أسيرٍ كتاب"، وتوّجها بمبادرة "من كلِ أسيرٍ كتاب"، وهذا الكتاب "الكتابة على ضوء شمعة" هو احدى تجلّيات ونتاج حصاد جهده الدؤوب.

في نهاية الندوة عرضت مكتبة بلدية بيتونيا فيلما وثائقيا عن الاسرى وخاصة عن "تهريب النطف" من الاسرى داخل المعتقلات إلى قريناتهم ليرى النور بعدها طفلٌ أو طفلةٌ هو أو هي نتاج هذا الابداع الفلسطيني وحبّ الحياة واستدامة العائلة رغم الحواجز والقيود والجدران وعتمة الزنازين وبطش السجّان.

إلا أنّ ارادة الحياة لدى الفلسطينيين أقوى من الزنازين ومن سنوات الاعتقال ومن القمع، ينفذون بحريّتهم ويخترقون القيد ويُنبتون زهرا واقحوانا ورياحين ولو عن بعد وبعد حين، وتستمرّ الحياة وتُنار القناديل بزيت الزيتون المبارك فتنبت شمعة وشمعتين وثلاث شمعات.