الانقسام والمصالحة آفاق ما بعد اتفاق الجزائر 
تاريخ النشر : 2023-01-24 17:12

بدأت ارهاصات الانقسام وتجلياته في العديد من مظاهر الحياة السياسية بل والمجتمعية في وقت مبكر لوقوعه فعلياً فيحزيران عام ٢٠٠٧  عند قيام حركة حماس بالسيطرة الامنية التامة على قطاع غزة بالقوة المسلحة في سابقة الاولى مننوعها ،وكما اشرت فإن ارهاصاته  التي كانت واضحة للعيان شملت العديد من مجالات الحياة في قطاع غزة ، ولتداركالامر ومحاولة تجنبه  تطور ذلك عقدت العديد من الاجتماعات وجلسات الحوار   الفلسطيني الداخلي بدءاً باتفاق اذار٢٠٠٥ وحتى وثيقة الوفاق الوطني عام ٢٠٠٦ وكذلك اتفاق مكه الذي افضى لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في محاولةلرأب الصدع والطاولة دون وقوع ما حصل ، ورغم كل ذلك فإن المحذور قد وقع فعلاً  بما حصل عام ٢٠٠٧  من انقلاب حتىعلى حكومة الوحدة وحينها سفكت الدماء وانتهكت الكرامات واعتدي على الحريات بشكل لا سابق له ، ومنذ لك الحينغدت قضية إنهاء الانقسام مشكلة مؤرقة تزداد يوما بعد يوم ، وقد الحقت هذه ضرراً كبيراً بالقضية الفلسطينية ومكانتهاعلى مختلف المستويات وباتت خنجراً يستخدمه الاعداء في خاصرة القضية الوطنية كما باتت حجة حتى للاصدقاءللنيل من مسؤولياتهم في دعم شعبنا ، كما هدد هذا الانقسام وما زال النسيج المجتمعي واوقعت الشعب في ازماتاقتصادية واجتماعية لا تحصى واضعفت قدرة شعبنا على مواجهة الاحتلال بهذا المعنى والابعاد واكثر يمكن القول انما حدث كان مؤامرة تشابكت خيوطها وادواتها وكان الفلسطينيون ضحيتها  وبأيديهم نفذت ، ومن اجل طي صفحة هذاالانقسام  المؤلم عقدت ايضاً مئات الاجتماعات  في العديد من الدول وقد تولت مصر بتفويض من جامعة الدول العربيةالجهد الكبر في هذا المجال حيث تم التوقيع على عدة اتفاقات لاتمام المصالحة الا انها لم تجد طريقها للتطبيق ، وبدلاَ منان تقود الظروف الموضوعية الخطرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وطبيعة الهجمة الصهيونية الفاشية المتصاعدة ،إلى تنفيذ تلك الاتفاقات نجد ان الانقسام  يتعمق وتزداد جذوره رسوخاً يوما بعد يوم . إن عدم النجاح في الوصول الىانهاء الانقسام وتصفية اثاره السلبية

يبين أن هناك مشكلة منهجية لا بد من التوقف أمامها  تتمثل في انه رغم تعدد اتفاقات المصالحة الموقعة من قبل الجميعيعود بعضها إلى عام 2005، وتتكثف تلك الاتفاقات خاصة بعد انقلاب حماس على حكومة الوحدة الوطنية ، فجاءتحوارات واتفاقات أعوام 2011 و2014 و2017 و2020، إلا ان شيئاً منها لم ينفذ ، الأمر الذي يشير إلى مسألة هامة حولان هذه الاتفاقات أما انها لا تعالج فعليا القضايا الحقيقية للخلاف وبالتالي فإنها لا تجد طريقها للتنفيذ أو ان هناكاستخلاصات مركزية غير معلنة لدى بعض اطراف هذه الاتفاقات بأن حجم الخلافات والتناقضات كبيرا إلى الدرجة التيلا يمكن معها إنهاء الانقسام،  الامر الذي يقود نحو التعايش مع حالة الانقسام وتخفيف اضراره إلى ان يحسم الواقعصحة هذا البرنامج أو ذاك لأطراف هذا الانقسام.

لذلك  اعتقد انه كان لابد من الانطلاق من هذه المقاربة خلال جولة الحوار المستمرة التي تقودها الجزائر الشقيقة ،ومواجهة جميع الاطراف بهذه الحقيقة بحيث كان من المفترض ان توضع كل القضايا الفعلية التي تعيق تطبيق الاتفاقاتعلى الطاولة ومعالجتها بشفافية وصراحة وإعادة تأكيد أو تعديل الاتفاقات على أساسها، وأما البحث عن اليات محددةلتخفيف اضرار الانقسام وبناء مواقف مشتركة تجاه قضاياً محورية مركزية إلى حين توفر قناعة فعلية بإنهاء الانقسامكلياً . الا ان شيءٍ من ذلك لم يتم ، وجاءت تجربة الحوار في الجزائر لتلاقي نفس المصير  عبر التوصل لاعلان الجزائرالاخير الذي جاء خالياً من الاتفاق على اهم عنصر من عناصر انهاء الانقسام بل قاطرة انهاءه وهو "تشكيل حكومةموحدة " تتولى تنفيذ مهام انهاء الانقسام موسساتياً وقانونيا  وتعالج الازمات وتحضر للانتخابات وقد جاء هذاالاعلان ليؤشر على ان الرغبة في ادارة الانقسام اكبر من الرغبة في انهاءها ( وقد اتخذت معضلة كيفة التعامل الشرعيةالدولية  ) ذريعة التي حالت دون ذلك ، وبداً من التركيز على انهاء الانقسام الواقع جرى القفز نحو منظمة التحريرالفلسطينة بكل ما يحمله ذلك من محاذير  وضرورة في آن.

لذلك فإننا  ما زلنا نعتقد ان خيار مواجهة المشاكل الفعلية والاسباب الحقيقة للانقسام تتطلب الوضوح لمعالجتها ولا بدلاي الحوار من إعادة التأكيد أو الاتفاق أو معالجة التباينات في القضايا التالية :

1- البرنامج السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية والاستراتيجية الكفاحية للشعب الفلسطيني والآليات الموحدةلممارستها والتعامل معها ، تزداد اهمية ذلك في ظل صعود الفاشية وهجمتهم على الشعب الفلسطيني والكيانيةالفلسطينية بتجلياتها ومؤسساتها المختلفة ، إن الحاجة لهذا النقاش ضرورية ليس فقط لمعالجة قضية إنهاء الانقساموإنما  أيضاَ ضرورية لمواجهة المخاطر والتعامل مع المتغيرات الهائلة التي يشهدها العالم والمنطقة والقضية الفلسطينيةذاتها، خاصة وان قرارات المجالس المركزية المتعاقبة لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ 2015 وحتى الآن صاغت بوضوحمعالم هذه الاستراتيجة بما تضمنته من قرارات واضحة بإنهاء العمل بالاتفاقات مع اسرائيل  وتحديد العلاقة معه كعلاقةبين شعب محتل ودولة احتلال .

ولا شك ان أي قرار أو توجه  للسير في هذا الاتجاه يجب ان يستند إلى التزام جماعي بمواجهة الآثار المترتبة على ذلكفي العلاقات العربية والدولية إضافة طبعا إلى أثره وآلياته الوطنية في اطار إدارة الصراع مع الاحتلال.

2- ان الأولوية الفلسطينية الراهنة تقوم على تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني ومواجهة محاولات وواقع تجزئته وتبديدكيانه السياسي المعبر عن وحدته والمتمثل بمنظمة التحرير ، وهو ما يمثل نقطة الاستهداف الاستراتيجية  التي يعتمدهاالاحتلال وتقوم على نفي وجود الشعب الفلسطيني وتتعامل معه كتجمعات مجزأة، إن ذلك يطلب بناء استراتيجية عملموحدة في كل ساحات التواجد الفلسطيني، وبناء عناصر وحدة الشعب الفلسطيني وتجنب الخلافات والتناقضات ماأمكن.

3- وانطلاقا من ذلك فإن الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيزها وتفعيل دورها يمثل أولوية لا بد من مقاربتهابصراحة وجرأة، ونحن نرى ان المنظمة يجب ان تحافظ على طابعها الجبهوي والديموقراطي معا، فهي ليست برلمانالدولة مستقلة بعد، وهي لا زالت حركة تحرر وطني ولكنها امتلكت تجربة ديموقراطية ينبغي تعزيزها والبناء عليها،ولذلك فإن الحديث في اطار جهود انهاء الانقسام حول منظمة التحرير  يجب يجب ان ينطلق من  الحفاظ على التركيبالبنيوي التالي:

أ - اطارا تمثيليا للقوى والفصائل المشكلة لها، وان انضمام القوى الجديدة لها يتم وفق نفس المعيار ونسب التمثيل التييتفق عليها وفقا لذك، وكذلك الأمر بالنسبة للشخصيات المستقلة .

ب - تمثيل الاتحادات الشعبية وتطوير انظمتها الداخلية على قاعدة التمثيل النسبي وفتح العضوية فيها وإجراءالانتخابات لها وبالتالي تمثيلها وفق نتائج هذه الانتخابات .

ج - الانتخاب المباشر (للمجلس التشريعي) أو أي بديل متفق عليه له، وكذلك الأمر في الساحات الخارجية حيثما أمكنوفقاَ لنسبة التمثيل المتفق عليها لممثلي هذه الاطر .

ويمكن كخطوة انتقالية في هذا الاتجاه، تفعيل وتعزيز المجلس المركزي لمنظمة التحرير بمشاركة الجميع في جلساته،خاصة وان هذا يضمن مشاركة الجميع بمسميات مختلفة، وبحيث يتولى هو استكمال هذه العملية لتشكيل المجلسالوطني الجديد بسقف زمني محدد .

4- السلطة الفلسطينية: إن الانقسام يأخذ مظهره الأبرز في السلطة ويجب ان ينتهي ذلك بشكل واضح، أما من خلال"حكومة وحدة وطنية" انتقالية تتشكل فورا كأهم مخرجات اي حوار ، وتعيد تنظيم وتوحيد المؤسسات وتتولىالتحضير لانتخابات (المجلس التشريعي والرئاسة)، ولكن ذلك يتطلب بشكل واضح التزاما ما زال غير متوفر من حركةحماس بأنهاء حالة الانقسام، وضمان تقدم الجميع في هذه العملية .

إن  تحقيق ذلك يمكن ان يشكل الارضية المناسبة للقيام بنقاش تفصيلي معمق لوضع السلطة الوطنية الفلسطينية فيسياق النقاش السياسي الاشمل وأن تكون معالجة وضع السلطة يأتي خلاصة لمثل هذا النقاش وليس سابقة له ، علىسبيل المثال ، نريد انتخابات لا تكرس المرحلة الانتقالية للسلطة واتفاقاتها التي ننادي بإنهائها مع الاحتلال، وربما انالمرتكز السياسي البديل لهذا المسار هو الانطلاق  في مجمل هذه العملية من قرار الامم المتحدة 19/67 لعام 2012 الذياعترف بدولة فلسطين، وبالطبع الاتفاق بوضوح على معالجة قضية القدس في هذه الانتخابات .

5- تعزيز الصمود الداخلي  هناك أهمية قصوى لتعزيز الصمود وهو ما يتطلب معالجة ذلك بوقف كل الخروقاتوالانتهاكات واعتماد سياسات اجتماعية واقتصادية بديلة لتعزيز صمود الناس على الأرض .

6- وفي اطار آليات العمل المشترك: تشكيل وتفعيل قيادة وطنية موحدة لمقاومة الشعبية، وتفعيل وتطوير العمل المشتركفي دعم حركة ال BDS ورفض الابارتهايد على المستويات الدولية المختلفة شعبيا ورسميا.

7- وهنا نأتي إلى القضية الهامة الأخرى، وهي معالجة تبعات القضايا والوقائع التي تلت حالة الانقسام على مختلفالصعد، الادارية والعملية والقانونية وغيرها، وهي عملية معقدة لطالما أجهضت العديد من المبادرات، وهي لا شك تحتاجأي معالجة واضحة لهذه.