فصل خطير في الأزمة الأوكرانية فهل يكون الأخير؟
تاريخ النشر : 2023-02-02 19:48

هل لايزال الوقت مبكرا أم أن المعطيات غير متوفرة أو أن الخطط لم تكشف تماما بعد لطرح سؤال: ماهي سمات النظام الدولي بعد انتهاء الازمة الاوكرانية؟؟

الواضح أن الأمريكان والأوربيين الغربيين نقلوا ملف التأييد لأوكرانيا الى مستوى أكثر وضوحا وفعالية وخطورة فبالإضافة للإجراءات العقابية والقرارات المتوالية ضد روسيا فلقد أصبحت صواريخ ودبابات وذخائر ومضادات جوية وصواريخ بعيدة المدى تقذف بها أمريكا لميدان المعركة.. فيما أوروبا تتجند من كل عواصمها لتزويد أوكرانيا بما يمكن أن يردع_ على الاقل_الروس.

من جهتهم الروس يصعدون القصف العنيف ويلقون بحمم النار على المدن والبنى التحتية في أوكرانيا ويتوعدون كل من يشارك في الحملة عليهم لاسيما ألمانيا.. ويتحول قتالهم إلى حرب عميقة وطويلة النفس.. و يبدون من استعراض قوتهم النووية وفتح أسواق جديدة تصميم بالغ لتحقيق هدفهم السياسي.. و ينظر الصينيون والشركاء الى أي مدى يمكنهم أن يشاركوا في المعركة.

في فرنسا وبريطانيا ملايين الناس نزلوا للشارع يشكون الغلاء والتضخم .. والأمر ذاته يهدد العواصم الاوربية الأخرى فيما أصبحت كثير من الأصوات تشير الى خطورة الوضع بان خزائن الأسلحة والذخائر بأوروبا لم تعد تحقق الامن الاستراتيجي.

ماذا لو تغير رأس هرم السلطة في أمريكا لاسيما والجمهوريون يتقدمون وربما ينالون الرئاسة؟ ترى ماذا سيكون مصير الحرب؟ وماذا سيكون مصير الدول الاوربية على المدى القريب.. وهل ستتحمل الإمبراطورية الامريكية هزيمة كبيرة تدحرها عن إمكانية انفاذ ارادتها؟ ما هو مصير الولايات المتحدة الامريكية على المدى المتوسط؟ ما هو مستقبل اسرائيل؟ وقبل ذلك الى أين ستتجه السياسة الامريكية في المنطقة العربية؟ هل حانت الفرصة للنظام العربي أن يتخفف من بعض الضغوط الامريكية؟

إلى متى ستستمر الحرب؟ او بسؤال أكثر تفصيلا إلى متى تصمد اوربا وامريكا في الحرب؟؟ ماهي ضمانات روسيا لاستمرار صمودها في حربها؟ هل يمكن ان تنجح الوساطات الدولية التركية والاسرائيلية وسواها.

روسيا الجديدة:
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عاشت جمهورياته الاسيوية والاوربية حالة تيه وضياع تقدمت اوربا بسرعة بايحاء امريكي لاستيعاب العديد من الدول الاوربية المنفصلة حديثا في الاتحاد الاوربي في حين بدأ الروس التحسس من هذا التصرف الأوربي واطلق يلتسين تحذيراته من ان تتحول هذه الممارسات الى خطر يهدد الامن القومي الروسي في حين استطاعت روسيا صناعة هيكل سياسي يضم الدول الاسيوية المنفصلة مؤخرا.. الا ان روسيا جملة عاشت عشر سنوات من المأزق واحتمال ضياع الدولة وطي صفحتها.
جاء فوز بوتين في 2000 لالغاء عدم الاستقرار والفوضى الداخلية التي نشأت في عهد يلتسين فعمل بوتين على إعادة الهيبة للدولة بالقضاء على حالات الانفصال وعلى إعادة تطوير البنية العسكرية و النهوض بالاقتصاد الروسي وفتح علاقات متينة مع الصين والهند وايران كحلف استراتيجي وحدد بوتين 3 خطوط تمسك بها 1= التميز عن الغرب وعدم التقاطع معه الا في اتفاقيات دولية او تأخذ صفة الندية 2= تعزيز قوة روسيا ومكانتها الدولية في ترتيبات العالم السياسية والاقتصادية 3= بناء تحالفات قوية استراتيجية في مواجهة النفوذ الأمريكي فكانت الصين والهند وايران.
وخلال عشرين عاما استطاع بوتين ان يعيد لروسيا مكانتها كقوة صاعدة تنازع الامريكان ولو بهدوء في مناطق النفوذ وذلك بتمددها في المنطقة العربية والإسلامية والافريقية واصبح السلاح الروسي بديلا يسيرا ورخيص التكلفة للدول العربية والافريقية واصبح الاستناد للقوة الروسية غير مكلف وبديلا مناسبا عن الاستناد للقوة الاوربية.
وفي مواجهة السلوك الأمريكي المضطرب تجاه الأصدقاء والحلفاء وجدت كثير من الدول صديقة الامريكان في العلاقة مع روسيا ضمانات استقرار اعمق واكثر فاعلية، ولعل العلاقات العربية المتطورة والمتعددة مع روسيا كما تفعل مصر والجزائر وسورية بل والسعودية والعراق وسواها يعني بوضوح ان الروس يتقدمون وقد بلغوا ذروة ذلك عندما جلبوا لساحتهم الاتراك أعضاء الناتو وحلفاء أمريكا وزودوهم بمنظومة اس 400..
لقد أصبحت روسيا في ذاتها دولة قوية متماسكة وفي سلوكها السياسي اكثر انضباطا ومبدأية مع الدول التي وجدت في علاقتها بالروس تحقيقا مهما لمصالحها.. لقد حاولت روسيا تحديد سمات موقعها الجيوسياسي بين اوربيتها وامتدادها نحو اسيا ولكنها لم تتريث كثيرا فاتجهت لبناء نفسها عسكريا واقتصاديا بعيدا عن سؤال الهوية وهنا أصبحت القوة العسكرية الروسية المتنامية والمتطورة الذراع العسكرية الضرورية للتطور الاقتصادي الصيني المذهل صاحب المشروع الخطير حزام طريق الحرير الذي يهدد المنتوج الغربي ويسحب منه الأسواق.
طبيعة المهمة العسكرية الروسية:
كلما سرنا الى الحديث عن الأزمة لابد من التذكير بمنطلقاتها واسبابها الأولى وذلك مهم للغاية للحفاظ على الرواية ومعرفة دوافع كل طرف.. عندما اعلن الروس عن بدء العملية العسكرية في أوكرانيا تحدثوا عن عملية خاصة بمهمة خاصة جاء ذلك بعد أن حشدوا قواتهم على الحدود الأوكرانية في خضم سوء الفهم الذي لف مسألة الامن القومي الروسي حيال النية الامريكية بانشاء قواعد عسكرية أمريكية في أوكرانيا التي اسرعت الولايات المتحدة الى نكران ذلك ولقد واجهت روسيا ذلك بمطالبة الامريكان بتقديم ضمانات مكتوبة فرفضوا الاستجابة للمطلب الروسي وحينها وجد الرئيس الاوكراني فرصة ان يحتمي بالامريكان معلنا ان خياره السياسي والاقتصادي والأمني يتجه غربا وانه يريد ان يسحب أوكرانيا بعيدا عن روسيا وان ينخرط في الحياة الغربية.. لم يكن الرئيس الروسي يعبر عن رأي شخصي فلقد تشكل تيار سياسي اجتماعي في النخبة الأوكرانية حددوا خيارهم الأيديولوجي والسياسي وربطوا مصيرهم بمساندة الامريكان..
كان من الواضح ان الروس لم يستخدموا اليد الغليظة في الأشهر الأولى وانهم احبوا توجيه رسالة بالرصاص بعد ان اغلق الاوكرانيون اذانهم عن سماع صوت الدبابات الروسية.. ومن غير المتوقع أبدا أن الروس من خلال قراءتهم للسياسة الامريكية والرؤية الامريكية للكون ان يغفلوا ان الدخول في الحرب سيكون حسب الرؤية الامريكية فرصة لجر الروس في حرب قد تنهي الى الابد محاولات روسيا لاقتسام القرار الدولي.. ومن المستبعد كذلك ان لايكون الروس يدركون حجم الخطر في مثل هذه الحرب التي ستجند أمريكا فيها قوى كل حلفائها ولكن الروس يدركون ان أمريكا واوربا لن تصمد لحرب طويلة وان قرار الحرب ليس اجماع امريكي وان اوربا ستجد نفسها في خسارة فادحة ستمزق وحدة موقفها على فترات.. اما أمريكا فاستخدمت الاعلام والحرب النفسية من خلال إجراءاتها وقراراتها ضربة الصدمة لإرباك الروس وافقادهم اعصابهم بفعل العقوبات والنفط والغاز وتدفق المساعدات العسكرية على الأوكران.. كان واضحا ان أمريكا اعتقدت ان الحرب لن تستمر أكثر من أشهر قليلة ينسحب على اثرها الروس مهزومين فيبدأ العمل الاختراقي للمؤسسة الروسية وصولا لتفكيك الاتحاد الروسي او على الأقل استمرار نزف القوة الروسي الى درجة تحطيم الجيش الروسي وانهيار الدولة الروسية وان ينشأ عن ذلك تفكك الاتحاد وبروز القوميات بعنف ومعارك ذاتية تنهي من الوجود الخطر المنافس الروسي.
أوربا بين الارغام والمصالح الكبيرة:
الاتحاد الأوربي هو أحد الأطراف الفاعلة في النظام الدولي وواحدا من أكبر التكتلات الاقتصادية العالمية من حيث الإنتاج والتبادل التجاري الدولي "مساحة جغرافية، كتلة سكانية، ووزن جيوسياسي" وقد ترجم هذا كله في معاهدة ماسترخت1992 وبرز الدور الكبير لألمانيا وفرنسا لإنشاء فلك مستقل عن الحماية الامريكية.
وفي الوقت نفسه كانت أمريكا ترى بانها تقدم خدمات جليلة مبالغ فيها لحلفائها الاوربيين وتنفق على قواعدها العسكرية الأموال الطائلة بمقابل ضئيل في حين ان خطر الاتحاد السوفيتي قد زال.. هنا بدأت التصريحات ترتفع من واشنطن ان القارة العجوز لم تعد ندا يتعامل معها وفق اتفاقيات فانسحبت أمريكا من معاهدات واوعزت لبريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الأوربي الذي بدأ يشكل قطبية اقتصادية رئيسية في الاقتصاد الدولي.. وقد أصبح هناك هامش واضح من الاختلاف بين اوربا والسياسة الامريكية لاسيما في عهد الجمهوريين ترتب عليها مواقف متفارقة كبيرة في القضايا التي تشغل العالم.
جاءت الازمة الأوكرانية لتكتشف أمريكا ان اوربا مازالت مهمة كحليف في مواجهة الروس المنافس الخطر فانطلقت تدفع بأوروبا بقوة تحذيرا او تهديدا كما حصل إزاء المانيا لضرورة معاقبة الروس.. فلم تجد أوروبا في عنفوان التصادم بين الارادتين الا الانحياز للخط الأمريكي في حين كان واضحا ان مصالح الاوربيين كبيرة مع الروس وان للروس سابقة فضل انهم خلصوا اوربا من الاحتلال النازي الذي اجتاح القارة في منتصف القرن السابق.
منذ اللحظات الأولى كان واضحا ان الرئيس بوتين لا يريد وساطة اوربا المنحازة وكانت طبيعة استقباله لماركون تشير الى عدم حرصه على الموقف الأوربي معتقدا ان اضعاف اوربا هدفا مهما امامه لينهي أطماع الاوربيين في روسيا ولن يكون ذلك الا باستنزاف قوتهم وثوراتهم ورفاه شعوبهم في حرب شرسة.. اما الاوربيين فلقد كانوا يتمتعون بعلاقات اقتصادية مفضلة مع روسيا وكان الغاز الروسي يتدفق عليهم بيسر ورخص وهو في الحقيقة لم يتوقف طيلة الحرب الباردة
لقد بلغ التبادل التجاري بين روسيا والاتحاد الأوربي 311 مليار دولار في سنة 2018 حيث بلغت صادرات روسيا لاوربا 205 مليار ووارداتها من اوربا 106 مليار وتعتبر روسيا بذلك اكبر شريك تجاري واكبر مورد للطاقة وهكذا تبدو العلاقة الروسية.
الخطوة ما قبل الأخيرة:
بعد سنة من المواجهة والدعم الأمريكي والاوربي بالسلاح والمال والاحتواء والعقوبات المتلاحقة والتحريض المستمر يبدو ان الروس لايزالون يتمتعون بقدرة مواصلة وانهم طوروا من أدائهم القتالي وانهم صعدوا من عنف ضرباتهم وقسوتها وانهم يعدون لما هو اشد ايلاما.. ويبدو انهم استطاعوا فتح ثغرات في الحصار المفروض عليهم وفتح أسواق لمنتوجاتها الطاقوية والعسكرية ولعل الدور التركي وما يحاوله من إعادة توزيع الغاز الروسي على الاوربيين وسوى ذلك من الرسائل التي تصل لموسكو من اطراف عديدة كل ذلك يمنح روسيا القدرة على المواصلة وهنا نقف امام مناقشة العقيدة العسكرية الامريكية التي تعتمد الصدمة وكثافة النيران ولكن لأجل لا يطول.. لا تستطيع الإدارة الامريكية مواصلة الحرب المفتوحة.. كما ان الحرب تكلف اوربا اثمانا باهضة ها هي بدأت تتفشى في الإضرابات والاحتجاجات الشعبية والتضخم الذي ترتفع معدلاته.. هنا يصبح على الإدارة الامريكية الضغط من خلال حملة عالمية لدعم الجبهة الأوكرانية تشارك فيها كل الدول الحليفة لأمريكا بما فيها إسرائيل.. وفي لحظة واحدة تم إذاعة الاخبار من كل عواصم اوربا عن تحريك دبابات نوعية متطورة لدعم كييف كما أعلنت الإدارة الامريكية عن تزويدها لأوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى 80 كيلو متر..
ليس المراد فقط التأثير على ميزان القوى العسكري انما وهو الابلغ التأثير على معنويات المؤسسة الروسية وارهاقها معنويا وهي ترى اسناد اوربي امريكي بتقنية عسكرية بالغة الأهمية للقوات الأوكرانية التي تتلقى تدريبات في قواعد أمريكية او بريطانية..
هذه الخطوة ما قبل الأخيرة لن تحقق المراد منها لأمريكا ولن ينكسر الروس جرائها ولن يخضعوا لمطالبها.. كما ان الروس لن يحسموا المعركة في هذه الجولة وسيكون اكثر ما يصنعون ان يبطلوا مفعول هذا الضخ العسكري في ميدان المعركة وان يستوعبوا الصدمة.
لكن بعد هذه الخطوة ماذا ننتظر؟؟ هل تنزل الجيوش الاوربية والأمريكية علنا في ميدان المعركة؟ ام ان هناك سلاحا استراتيجيا سيتدخل؟ مع صعوبة تخيل ذلك ولكن مع احتمال اندلاع شرارته ولو بشكل اعتباطي او عفوي يمكن ان يحدث وحينذاك لن يبقى عقل ولا تحليل انما هي الكارثة على للبشرية جمعاء.. الا اننا نستطيع ان نقول لم تعد الفرصة كبيرة امام التحالف الأمريكي فلقد بدا التململ في الموقف الأمريكي والانتخابات الرئاسية على الأبواب والديون بلغت مستوى باهضا يهدد بأوضاع اقتصادية صعبة.. والجمهوريون يتكلمون عن ضرورة حل سياسي مع عدم الانسياق في الدعم الواسع لأوكرانيا كما ان اوربا لن تتحمل كثيرا هذا النزف في اقتصادها وامنها وما ينعكس جراءه على استقرار مجتمعاتها ورفاهها.
صمود الروس لتجاوز هذه المرحلة يعني بوضوح انهم حققوا نصرا ميدانيا كبيرا وانهم اثبتوا فشل الموقف الأمريكي ومع صعوبة العودة للحوار الاستراتيجي في ظل ما صدر من قرارات أمريكية وقد لايكون ذلك مهما بعد ان عملت روسيا على التكيف مع الوضع الحالي وانشأت فلكا استراتيجيا اخر تتحرك خلاله.. وهنا يبدأ حلفاء روسيا وكثير من الدول المترددة تعيد صياغة مواقفها للتخلص من الهيمنة الامريكية والسياسات الامريكية.. ويتقدم الروس لضخ أسلحتهم في ساحات حلفائهم واصدقائهم بيعا ودعما وسينقسم القرار الدولي على على معسكرين ضخمين ولن يتم ذلك اتوماتيكيا انما بمنازعة قد تسقط فيها دول وتتبعثر كيانات.. وفي استقرار الوضع القادم المحتمل سينال المستضعفون كثيرا من حقوقهم وتصبح إسرائيل امام خيارات صعبة وقاسية اقلها دولة فلسطينية على كل الضفة وغزة والقدس عاصمة وعودة اللاجئين.