صاحبة الفيروزيّات الماسيّة تتألّق في حديقة "مُنتدى الخبرات" الورديّة
تاريخ النشر : 2023-02-03 15:47

شددنا الرحال انا وصديقي اللطيف سعيد داغر يوم امس الخميس عصرا، بناء على موعدٍ مُسبق، إلى مقرّ مُنتدى الخبرات التابع لبلدية مدينة رام الله، للقاء السيّدة فيليتسيا، مديرة المُنتدى. اعتقد ان اسمها فيليتسيا ربما جاء تيمّنا من اسم المحامية اليهودية التقدّمية فيليتسيا لانغر، التي كانت تُدافع عن المعتقلين الفلسطينيين في المحاكم الاسرائيليّة والتي لم تعد تُطيق العيش في اسرائيل فغادرتها إلى غير رجعة نتيجة مضايقات واساءات اليمين الاسرائيلي لها.

استقبلتنا السيّدة فيليتسيا بوجه بشوش و بترحاب، لم يمنعها من تذكيرنا باننا تإخّرنا عشرين دقيقة عن موعدنا الساعة الرابعة عصرا، وأنّه يتوجّب عليها أن تكون الساعة الخامسة بالضبط في الطابق العلوي من المبنى لحضور أمسية الفيروزيّات المُبرمج تقديمها لروّاد المُنتدى، ضمن نشاطاته المُتنوّعة وأنّه سيُقفل باب الصالة مسرح الامسية الفيروزيّة الساعة الخامسة وثانية تماما ولا يمكن الدخول بعدها!!!!

وأنّه اذا اردنا أنا وصديقي سعيد فيمكننا الحضور والمشاركة في الامسية الفيروزيّة على أن نتحلّ بالصبر والجلد والهدوء خلال فقرة أو فقرات الامسية.

ابتسمت وشكرتها على استقبالنا وعلى وقتها المُخصص لذلك، وعلى دعوتها لنا على الامسية الفيروزيّة وعبّرت عن سعادتنا في المشاركة لكن ليس قبل أن أثني على اسلوبها العسكري الصارم في ادارة المؤسسة!!!!

من أوّل وهلة تلتقي بها تشعر بأن الدكتورة فيليتسيا شخصيّة مهنيّة من طراز رفيع عالية الالتزام ديناميكيّة لبقة جديّة في كلامها وحتى ايماءاتها وحركة يديها وهي تُسهب في الشرح لنا عن مُنتدى الخبرات وتأسيسه ونشاطاته وأعضائه.

في كل كلمة كانت تقولها كانت مصحوبة بمحبة واحترام ما تقوم به وفائدته العميمة المجتمعيّة الاكيدة.

كانت تنظر في ساعتها من وقت لاخر لكن بصورة لبقة ومُستترة، ربما انها تنتظر دقّات الساعة الخامسة لكي نلتحق بالصالة الجميلة الفسيحة للاستمتاع بامسية الفيروزيّات بادارة السيدة الانيقة الجميلة الرشيقة علياء الشعّار، التي حضّرت وهندست باتقان واقتدار وجماليّة الامسية الفيروزيّة.

ما ان دلفنا وراء وبمعيّة الدكتورة فيليتسيا إلى داخل صالة الامسية عبر درجٍ خارجي صعدناه ورذاذ المطر يُداعب  ويُنعش مُحيّانا، قامت فيليتسيا بتعريفي على مجموعة من الحضور الواقفين كان أوّلهم رجل تبدو عليه علامات الوقار والأبّهة بلحيته البيضاء الرمادية يُداعب جوّاله ملتقطا صورا للحضور، تبيّنت أنه السيد اميل عشراوي، زوج د. حنان عشراوي الناطقة باسم الوفد الفلسطيني المفاوض إلى مؤتمر مدريد للسلام والشخصية المعروفة عالميّا.

"حبكت" معي وانا ادردش معه وهمست له حادثة حصلت معي، معنا، اثناء زيارة رسمية إلى فيينا عاصمة النمسا، بعد فترة مؤتمر مدريد. كُنا في زيارة رسمية قادمين من تونس إلى النمسا، حكم بلعاوي، عضو القيادة الفلسطينية وأنا. في آخر اجتماعنا الرسمي مع وزير الداخلية النمساوي، عبّر لنا الوزير المُضيّف عن رغبة حكومة النمسا في استضافة السيّدة عشراوي في زيارة لإلقاء محاضرة في المعهد الدبلوماسي النمساوي.

حكم بلعاوي ردّ على طلبه بامكانيّة تشكيل وفدٍ من منظمة التحرير يضمّ السيدة عشراوي لزيارة النمسا تلبية لدعوة الوزير.

الوزير النمساوي ردّ على ردّ بلعاوي قائلا:

مستر "بلاوي" (بلعاوي)، نحن لا نُريد وفدا من منظمة التحرير، نحن نُريد السيدة عشراوي بالتحديد "والاسم واللقب".

صالة "الفيروز" كانت "مدبوزة" بباقة من السيّدات الانيقات الجالسات المُتمترسات تحفّزا لبدء العرض الفيروزي، وكان يتواجد ايضا بعض الرجال، السمة الغالبة من الحضور كان ورديّا مخمليّا ناعما من الجنس اللطيف، أو من ضلع آدم.

بدأت اصابع السيدة علياء الجميلة تُداعب اللابتوب لينعكس مُحتواه وكُنهه اغانٍ فيروزيّة منعشة على شاشة عرض مُثبّتة على الحائط أمام الجميع.

تُطفئ السيدة علياء الضوء ايذانا ببدء العرض وبدء الكروان فيروز بالشدو: "عهدير البوسطة".... و"حنّا السكران"، .... و"اسهار بعد اسهار" ...

كانت علياء تقوم بشروحات مفيدة وعميقة وذكيّة بين وصلة غنائية فيروزيّة واخرى مُبيّنة ظروف الاغنية وتأليفها وتلحينها وأدائها. وأن الموسيقار محمد عبد الوهاب قد لحّن لها أجمل أغانيها، هذا إلى جانب "احتكار" الاخوين رحباني لتلحين روائعها الغنائية، التي تدرّجت بين اللحن الغربي الاجنبي واللحن العربي الشرقي الاصيل، تبدو علياء مختصّة في شؤون الفيروزيّات، جميلة تتقن فنّ الجمال، عصفورة حسّون تعشق صوت البلابل والكروان.

في نهاية "الحفل" وبعد اضاءة النور الكهربائي وقفت ادردش مع السيدة علياء بعد شكرها على هذه الامسية الفيروزية الجميلة، ففيروز يمكن سماعها في الصباح على فنجان قهوة وصحن حُمّص كما يمكن سماعها مساء على فنجان قهوة أو كأس شاي، قلت لها:

شكرا ايتها السيدة الماسيّة على هذه الامسية الجميلة، امسية الفيروزيّات.

كان إلى جانبنا مباشرة صبيّة فتيّة وجهها مُشرق وعينيها كحيلة برّاقة، داعبتها قائلا:

ماذا تفعلين انت هنا وعمرك بالكاد بلغ ستة عشر عاما؟؟!!!

ضحكت وقالت:

انا اتيت مع جارتي علياء.

فاجبتها سريعا:

جارتك علياء،.. "جاري ياحمّودة يا حمّودة يا جاري دبّر عليّا يمّا، ...". هذه اغنية تونسية جميلة من التراث التونسي.

ابتسمت الصبية الفتيّة النديّة فرحا وقالت لي:

لم اسمعها من قبل لكنني سابحث عنها اليوم واسمعها.

ودّعت أنا وصديقي اللطيف سعيد السيدة فيليتسيا مُتمنّين لها مزيدا من النجاحات والنشاطات الجميلة البديعة.

هبطنا الدرج المبتل إلى ساحة المبنى، الفيلا الكبيرة الانيقة الرابضة على تلّة كلبؤة مُتوثّبة حيث تقف السيّارة.

المطر ما زال ينزل بحنان وتؤدة رذاذا وبعض البرد يلسع المُحيّا والوجوه، لكننا لم نشعر بالبرد ربما من دفئ الامسية الفيروزية الماسيّة.