خطر نكبة جديدة والتطهير العرقي ما زال قائما
تاريخ النشر : 2023-03-09 10:08

بعد كل موجة تحريض، تطلقها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وأدواتها من الجماعات المتطرفة، ضد الشعب الفلسطيني، يستشرس المستوطنون ضد شعبنا وقراه ومدنه وأراضيه، وممتلكاته، على المواطنين العزل، إما بالقتل وإضرام النيران في المنازل والمتاجر، والمركبات والأراضي الزراعية، أو بتحطيم المحلات وسرقة المحاصيل وتسميم المواشي والآبار بحماية جيش الاحتلال وتواطؤه الكامل.

فالمشاهد المؤلمة للحرائق، والاعتداءات على بلدة حوارة وقرى جنوب نابلس، تذكرنا بحادثة قريبة العهد للاعتداء الوحشي من قبل عصابات المستوطنين، على عائلة دوابشة في قرية دوما المجاورة، عام 2015 وحرق منزلهم وهم نيام، حينها لم ينجُ من ذلك الاعتداء الوحشي سوى الطفل أحمد الذي فقد جميع أفراد أسرته.

  في عام 2014، تبنت عضو الكنيست ثم وزيرة الداخلية وبعدها وزيرة القضاء أييليت شاكيد التحريض الذي أطلقه العنصري أوري اليتسور لقتل الأطفال الفلسطينيين ووصفهم " بالثعابين الصغار"، وعلى أثر ذلك، اختطفت عصابات المستوطنين، الطفل محمد أبو خضير من شعفاط، فعذب ونكل به قبل حرقه.

وفي شباط عام 1994، وعلى أثر الدعاوى بشأن التطهير العرقي في الخليل، ومحاولات تهويد المدينة، نفذت مجزرة الحرم الإبراهيمي على يد المستوطن المتطرف باروخ جولدشتاين، سليل حزب كاخ العنصري الذي خرج منه أيضا الوزير الحالي إيتامار بن جفير، وعلى اثرها عاقبت الحكومة الإسرائيلية الضحايا بدل معاقبة المجرمين، فبدأت منذ ذلك الوقت بفرض الإغلاق الشامل على الأراضي المحتلة في الضفة وغزة، ومنعت دخول القدس، ثم نفذت مخططها المُبيّت  بتقسيم الحرم الإبراهيمي زمانيا ومكانيا، بما يشمل تقسيم الحرم إلى كنيس ومسجد، وهو المخطط الذي يطمح غلاة المتطرفين إلى تطبيقه على المسجد الأقصى.

سياسة التحريض الدموي  ضد الشعب الفلسطيني، وأرضه لم تتوقف في أي مرحلة من المراحل، وذلك بحماية وغطاء جيش الاحتلال الإسرائيلي ودعمه اللوجستي والتسليحي، ففي عام 2022 تم رصد وتوثيق 1.187 اعتداء بمشاركة جيش الاحتلال، ومنذ بداية العام الحالي 2023 سجل الآن أكثر من 130 اعتداء.

وصلت ذروة التحريض مؤخرا، لتنفيذ التطهير العرقي والترحيل القسري للشعب الفلسطيني، بدعوة الوزير بن جفير، إلى ترخيص حمل السلاح لآلاف من عصابات المستوطنين. وهذه الدعوة لتسليح ميليشيات المستوطنين، تُذكر العالم بما سبق أن ارتكبته عصابات الهاغاناة والليحي واتسل الصهيونية، التي تم تشكيلها وتسليحها من قبل الحركة الصهيونية والانتداب البريطاني، لتنفيذ التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، ولا ينسى التاريخ  أبشع المجازر والمذابح، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي اقترفت آنذاك في الفترة الممتدة بين 1936-1948.

فقد ارتكب ما يزيد عن خمس وسبعين مجزرة، على أيدي عصابات الهاغاناة المسلحة، وتم خلالها نسف المنازل على رؤوس أصحابها، واستهدف الناس آنذاك استهدافا مباشرا، كمجزرتي  دير ياسين  وقالونيا غرب القدس،  ومجزرة  قرية  ناصر الدين قرب طبريا، ومجزرة  قرية  الحسينية، ومجزرة الطنطورة ومجزرة  حيفا، وعين الزيتون قرب صفد، ومجزرة أبو شوشة قرب الرملة، ومدينة اللد، وبلدة الدوايمة غرب الخليل. وذلك عشية الإعلان عن إنشاء دولة اسرائيل. على أنقاض القرى المهجرة، وفوق جثث أصحابها، وعلى حساب حق أصحاب الأرض الأصليين في تقرير المصير.

تم على إثر تلك المجازر تهجير، أكثر من 800 ألف فلسطيني واقتلاعهم من أرضهم وتشريدهم خلال النكبة، فمخطط الاحتلال بالإستيطان، والضم والإستيلاء على الجغرافيا وتفريغ الأرض من سكانها وطردهم، وتحويلها بالكامل الى دولة "يهودية". بدأ يتبلور  في فكر الصهاينة وخططهم منذ المؤتمر الأول للحركة الصهيونية عام 1897 في مدينة بازل السويسرية، وروج له زعماء الحركة الصهيوينة. والذي كان أهم توصياته الإستيطان على أرض فلسطين بالكامل. وحين تمكنت الحركة الصهيونية من السيطرة على مساحات من الأراضي الفلسطينية بدعم من الانتداب البريطاني بدأت تنفيذ مخططات التهجير مبكرا بدءا من أراضي وادي الحوارث والحولة، ونفذت الحركة الصهيونية وأداتها دولة إسرائيل، كافة أشكال التطهير العرقي للاستيلاء على فلسطين بالكامل، باستخدام القوة المسلحة، والتخويف، والاضطهاد، وشطب الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، وعمليات القتل والإبادة المنهجية الواسعة. وطرد وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه بالقوة، حيث يستولي الإسرائيليون على 85% من المساحة الكلية لفلسطين التاريخية (27,000 كم2).

تتكامل برامج الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، مع عصابات المستوطينين، لاستكمال مخططات الحركة الصهيونية، ومشاريع الاستيطان، على حساب دماء الشعب الفلسطيني وحقوقه، بأي ثمن كان، فالنكبة مستمرة ولم تتوقف، وقد اقترب عدد المستوطنين من مليون مستوطن، موزعين على 176 مستوطنة ونحو  186 بؤرة استيطانية خلافا لعدد من البؤر الحديثة ومشاريع الاستيطان التي اقرت مؤخرا.

الغريب هو هذا الصمت العربي والدولي، على هذه الجرائم بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، وأرضه. وإذا كانت دول العالم وزعماؤها عام 2005، في مؤتمر القمة  العالمي الذي وصف بأنه «أكبر تجمع لزعماء العالم في التاريخ»، وحضره نجو 190 دولة، وأعلن فيه التزام الدول بحماية السكان من الإبادة الجماعية، وجــرائم الحــرب والتطهيــر العرقــي، ومسؤولية المجتمع الدولي، عن الحماية عندما لا تتمكن الدول من حماية نفسها.

على المجتمع الدولي أن يحترم مبادئ القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والتزاماته الدولية والقانونية، بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، ومحاسبة إسرائيل على كافة جرائمها وتحويلها للمحكمة الجنائية الدولية.

وأمام هذا الصمت لا نملك أفضل من التكاتف والتآزر في وجه الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، وحل الخلافات الداخلية والتسامي عليها، لأجل الشعب ووفاء لشهدائه وأسراه، والتصدي لهذا الاستفراد من قبل الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه  لحماية شعبنا من نكبة جديدة.