الجنيدي واسليم.. أسرى محررين اغتالتهم إسرائيل برصاصات حقدها الفاشية
تاريخ النشر : 2023-03-21 13:02

نابلس- صافيناز اللوح: ضحكة طويلة ثم صوت نطق برسالة أسمعت من به صممُ، "أنا استشهدت يما زغرديلي"، فأغلق الهاتف، وسُمِع صوت أزيز الرصاص بكثافة، مسلحون يشتبكون، وقوة اليمام الإرهابية تقتحم ذاك المنزل الذي احتضن اثنين من الفدائيين الجدد، ومن ثم سكت الأنين، وانسحب الجيش، وبدأت التكبيرات تعلو، وأصوات سيارات الإسعاف تقترب وشاشات التلفزة ومواقع التواصل امتلأت بخبر استشهادهم.. هكذا كان المشهد ظهيرة اغتيال الشهيدين محمد الجنيدي وحسام اسليم.

من هما الشهيدان حسام اسليم ومحمد الجنيدي؟..
برز اسم الشهيد حسام اسليم عقب عملية دير شرف التي نفذها غرب مدينة نابلس، واستهدفت عدداً من جنود الاحتلال الإسرائيلي المتمركزين قرب مستوطنة "شافي شمرون" في الـ11 من أكتوبر من عام 2022، وأسفرت حينها عن مقتل جندي من جيش الفاشية اليهودية.

وآنذاك، اتهم جيش الاحتلال الشهيد "اسليم"، بتنفيذ العملية برفقة الأسير أسامة الطويل (22 عاما)، والذي اعتقلته قوة خاصة في عملية عسكرية كبيرة نفذتها في 13 فبراير الماضي برفقة الأسير الجريح كمال جوري (22) عاماً، عقب محاصرتهم في إحدى البنايات.

أمّا الشهيد محمد الجنيدي مصاباً برصاص جيش الاحتلال، خلال اقتحام سابق استهدف مجموعة "عرين الأسود" في البلدة القديمة بنابلس، ووصفت حينها إصابته بالخطيرة جداً، وأدخل على اثرها إلى غرفة العناية المركزة، وأجريت له عملية جراحية، وعاد بعد فترة إلى الميدان مع رفاقه، وأصيب خلال عملية اطلاق نار نفذها برفقة ثلاثة من المقاومين بينهم "محمود البنا" القائد في كتائب شهداء الأقصى وحينها استشهد الفدائي سائد الكوني.

خلال مسيرته الفدائية ليست الطويلة في مقارعة الاحتلال، أصيب الجنيدي ثلاث مرات، كان في إحداها قريباً من الموت عندما أصيب برأسه في سبتمبر  لعام 2022، وأصبح من أبرز "المطلوبين" في الفترة الأخيرة لجيش الاحتلال، الذي لا يزال يعتقل شقيقه جُنيد منذ أربعة أشهر.

اغتيالٌ في وضح النهار..
بتاريخ الثاني والعشرين من فبراير لعام 2023، استُشهد 10 فلسطينيين، وأصيب أكثر من 100 بينهم حالات خطيرة، برصاص جيش الفاشية اليهودية، خلال عدوانه  الذي شنّه على مدينة نابلس، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية

قوة كبيرة من جيش الاحتلال، اقتحمت حارة الشيخ مسلم على أطراف البلدة القديمة في نابلس، وحاصرت منزلًا وسط إطلاق نار كثيف، لينتهي الأمر باستشهاد محمد الجنيدي وحسام اسليم وفدائي ثالث كان برفقتهم وهو وليد الدخيل.

حسام بسام اسليم 23 عاماً من منطقة الجبل الشمالي في مدينة نابلس، استشهد يوم الأربعاء بتاريخ 22/2 لعام 2023، برفقة الشهيد محمد عمر عبد الغني عبد الفتاح أبو بكر 24 عاماً من مواليد الأردن وعاد إلى نابلس قبل سنوات ليسكن في البلدة القديمة.

فبجسده المثخن بالجراح، واصل الجنيدي مطاردة جيش الاحتلال ومستوطنيه، وواجه محاولات الاعتقال والاغتيال.

طلب الشهيد الجنيدي من والدته سمر سليم إبراهيم الجنيدي 45 عاماً، أمٌ لخمسة من الشباب وفتاة، قبل ليلة من استشهاده أن تأتي صباحاً لتشرب معه القهوة، ولكن رصاصات الغدر الإسرائيلية كانت أسرع لتسرق روحه كما رفاقه، حيثُ قالت والدته خلال حديثها مع "أمد للإعلام": "اتفقت أن أراه في الصباح لكنني تفاجأت بحصار نابلس، فتحت هاتفي لأرسل له أن ينتبه بوجود قوات الاحتلال في البلدة، فوجدت منه رسالة يودعني بها، واستشهد قبل أن تراه عيناي".

وأضافت والدة الشهيد، "قال لي أنا بموت يمّا إضحكي.. قالها وهو يضحك بصوت مرتفع، ثم نطق الشهادة وأغلق هاتفه".

وأوضحت أم الشهيد الجنيدي عن آخر لقاء بينهما: "أخذ حمّاماً، وعطّرته وألبسته ثياباًجديدة، وكان حمّامه الذي زف فيه".

لم يولد الجنيدي في مدينة نابلس التي عاد إليها قبل خمس سنوات قادماً من الأردن التي ولد فيها، فهي فترة كانت كفيلة بأن يتعلق قلبه بالمدينة وكأنه ترعرع ونشأ فيها، وخلالها تعرض للاعتقال مرتين أمضى فيهما ما مجموعه ستة أشهر في سجون الاحتلال.

وبحسب والدة الشهيد التي تحدثت مع "أمد للإعلام، فإن نجلها استشهد وعظم رأسه في بطنه، حيث كان قد أصيب في وقت سابق بـ 12 رصاصة منها 6 في رأسه ونجى من الموت بأعجوبة.

"ما أحلاه".. بهذه العبارة وقفت أم محمد الجنيدي أمام جثة نجلها في اللحظات الأولى لاستشهاده، نظرت إليه بقلبها الذي يملأه الألم وقبل أن تذرف دموعها بحرقة على حرمانها من احتضان فلذة كبدها الأبدي، لكنها كانت صابرةً محتسبةً ورأسها شامخ بما فعله نجلها الفدائي.

ووصفت أم محمد نجلها الشهيد أبو بكر قائلة عبر "أمد"، "لا أحد في الكون يمتلك مثل حنانه، لكنه سرعان ما يتحول لإنسان مختلف بمواجهة الباطل، مضيفةً كان وفياً لمن سبقه من الشهداء الذين كان بينه وبينهم عهد الله، فلم يخن أو يتخاذل".

وتابعت "محمد وأمثاله كانوا مدرسة لأهاليهم وأمهاتهم، وحولوا ضعفنا إلى قوة، وعندهم إصرار عجيب إلى درجة أننا كنا نخجل أن نسألهم لماذا تخاطرون بحياتكم".

وشددت، "ربنا اصطفاه شهيد لأنه يحبه، ولو لم يحبه لما اصطفاه، وبعد استشهاده سيخرج العشرات ليكملوا الطريق".

حسام.. البكر بين أخوته والوصي كما الثائر النابلسي..
حسام اسليم البكر بين اخوته الشباب عماد وعبد الله ومحمد وآدم، وفتاة أنارت منزلهم، والتي تحدثت مع "أمد للإعلام" بحرقتها على فقدانها لشقيقها الذي كتب التاريخ النضالي اسمه في طياته.

شقيقة الشهيد اسليم أكدت لـ"أمد"، أنها تلقت نبأ استشهاده عن طريق اشعار برسالة عبر فيسبوك باسم الشهيد الجنيدي، وحينها سألت عائلة زوجها عن حسام فأجابوا بالنفي وسحبوا منها هاتفها النقال حتى لا تعلم بذلك، وحينها أمسكت هاتف شقيق زوجها الأصغر وبحثت في مواقع الأخبار لتجد خبر استشهاد شقيقها وبدأت بالانهيار بكاءً.

كما والدة الشهيد الجنيدي، فتحت شقيقة حسام اسليم هاتفها، لتجد رسالة صوتية من شهيدها قال لها: "أنا محاصر ارفعي راسك فيّ.. أنا بطل وديري بالك على أمك وأبوكي وسلمي على كريم وعماد واحكيلهم أنا بحبهم كتير.. وبحبك انتي كمان".

عاش الشهيد سليم في مدينة نابلس، وكبر على صيحات أناشيد الثورة: "كبروا الثوار يا جبل النار وصاروا ثوار"، وغادر المدارس قبل إكمال الثانوية العامة لمساعدة أهله، وعمل في عدة مهن لإعالتهم.

تخيل تموت مش شهيد، اللهم أكرمني".. هكذا كتب الشهيد اسليم تعريف شخصيته على صفحته الخاصة عبر موقع "فيسبوك"، وهي لمحة بسيطة عن أمنيات الشباب الفلسطيني الثائر في وجه الاحتلال الذي سرق وطنهم منذ عشرات السنوات ولا زال.

حزّم اسليم حقائبه للمغادرة وقبل أن يرحل عن هذه الدنيا قال لشقيقته كما تحدثت مع "أمد" "أنا طلبت إلى نلته، مبسوط لأني بموت بالشهادة، ادعولنا وسامحونا"، وبسلاح محلي الصنع من نوع "كارلو" خاض برفقة الشهيد الجنيدي ملحمة بطولية، واجه فيها أكثر من 150 جنديًا من جيش الفاشية وقواته الخاصة التي اقتحمت نابلس في وضح النهار.

توقعت شقيقة حسام بحسب حديثها مع "أمد"، استشهاد شقيقها في أي لحظة، لأنه كان مطلوباً ومطارداً من قبل الاحتلال حيثُ قالت: حاولنا اقناع بأن يتراجع عن هذه الطريق لكن رفض تماماً وصمم على المضي فيها".

ما تتركوا البارودة..
طالب اسليم رفاقه بعدم ترك البارودة والاستمرار في مقاومة الاحتلال حيثِ قال:  أنا وأخوي جنيدي محاصرين يا إخوان، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، عليه نحيا وعليه نموت، الله لا يسامح كل واحد تخاذل وكل حدا باعنا يا إخوان".

وأضاف، "أنا وأخي الجنيدي بدنا نسلم على الشهداء وأتمنى أنكم تسامحونا. سامحونا أمانة الله، أنا بحب كل الناس وبحب كل الدنيا وبحب أمي. بحياة عرضكم لا تتركوا البارودة من بعدنا وكملوا الطريق، بدي أشوف رجال تكمل من ورانا يا إخوان ما تنسوا وصية الوديع والنابلسي".

رسالةٌ صوتية لم تزد عن الدقيقة، وبكلمات هادئة بلا ايقاع ولا ترتيب، خرجت على شكل وصية مستعجلة فرضها اسليم والجنيدي على مسامع العالم وليس الفلسطينيين فقط، أعادت للذاكرة وصية الثائر ابراهيم النابلسي التي هزّت أركان الكرة الأرضية.

رفض اسليم والجنيدي الاستسلام، وواجهوا قوة اليمام ووحدات جيش الفاشية المدججة بالسلاح بكل قوة، انبعثت من أنفاسهم الثابتة وخاضوا معركة شرسة فضلوا فيها الموت بكرامة.

رسائل من قلب الوجع.. 
وفي رسالتها التي قدمتها للفدائيين، قالت والدة الشهيد محمد الجنيدي عبر "أمد"، "بعد الأحداث هذه رسالة وحدة بوجهها لهم لا يوجد هناك ثقة انتبه من الخائن والجاسوس، ومن يبيع ويشتري بكم  مافي بدون علمكم، كونوا على حذر فمن خان محمد وحسام سيفعلها بكم!.

وقدمت رسالتها للشعب الفلسطيني قائلة: لا نريد سوى الصبر والتحمل لأننا سندفع ثمن تحرير الأقصى، فهذا هو جيل التحضير وليس التحرير.

يُسلّمُ الشهداء الراية لغيرهم، مؤكدين أنه في كل مرة يقتلُ فيها جيش الاحتلال فدائياً، هو في الحقيقة لا ينهي حياته بل يعلن ولادته في قلوب أبناء شعبه، فيأتي فدائي آخر يتسلم راية الدفاع عن الوطن المسلوب والتي لا تنطفئ نارها مهما فعلوا من إجرام بحقه.