حرب العراق.. الجهل مازال قائماً
تاريخ النشر : 2023-03-28 10:58

من المؤسف والمحزن للغاية أنه بعد عشرين عاماً من شن الولايات المتحدة غزوها الكارثي للعراق لم يجر الاعتراف بالجهل والأكاذيب والوحشية التي أحاطت بهذه الحرب. فقد اعتقد «المحافظون الجدد» في إدارة بوش أن أعداءنا شنوا هجوم الحادي عشر من سبتمبر لأنهم اعتبرونا ضعفاء. وافترض المحافظون الجدد أن نصراً سريعاً وحاسماً سيظهر قوة الولايات المتحدة ومضاء عزيمتها، وظنوا أن الحرب سترسخ الهيمنة الأميركية لعقود قادمة. وأذكر أنني عملت في فريق عمل برعاية مؤسسة فكرية مع عدد من المؤيدين البارزين لهذه النظرة للعالم، واندهشت من غطرستهم النابعة من الجهل. فلم يدركوا أو يستوعبوا أهمية معرفة العراق. وساروا على خطى الفلسفة «المانوية» القديمة ذات الرؤية الثنائية للعالم التي لا مفر فيها من صراع بين قوى الخير وقوى الشر. وفي هذه الصراع تنتصر قوى الخير في نهاية المطاف. وكان الاتهام بالضعف وفتور الهمة نصيب كل من سولت له نفسه أن يحذر من مغبة هذه الرؤية.
وتوجه هؤلاء «الخبراء» إلى موجات البث التي تقتات على جمهور كان لا يزال يعاني من صدمة ولا يعرف الكثير عن العراق أو الشرق الأوسط الكبير. وزين مؤيدو الحرب، في إفاداتهم أمام الكونجرس وعلى شاشات التلفزيون، صورهم باعتبارهم ممثلي «الخير مقابل الشر» وتعمدوا تضليل الكونجرس والجمهور بشأن الحرب الوشيكة. ولم تكن «الكذبة الكبرى» بشأن العراق تتعلق بأسلحة الدمار الشامل، بل بخداع طنان حول كلفة الحرب وظروف المواجهة. وقال متحدثون باسم الإدارة إن الحرب ستنتهي في غضون أسابيع قليلة، وإن القوات الأميركية ستلقى الترحيب الواجب للمحررين. وقالوا إن الحرب لن تكلف أكثر من مليار أو ملياري دولار، وفي النهاية ستصبح الديمقراطية الجديدة في العراق «منارة للشرق الأوسط الجديد».
وردد صحفيون ومعلقون هذه الادعاءات العارية من الحقيقة مما جعل هذا التصور هو السرد المهيمن. وتملك الجبن من معظم السياسيين، ولأن الغالبية العظمى من الجمهور لا يمكنهم تحديد موقع العراق على الخريطة (وفقاً لمسح أجري قبل أيام من بدء الغزو)، مضى هؤلاء السياسيون قدماً. وخلال الأشهر التي سبقت اندلاع الحرب، كنت أنا وزوجتي في نورث كارولاينا حيث كنت أقوم بالتدريس في كلية ديفيدسون. وفي مرحلة ما، عدت إلى واشنطن لمناقشة قرار قدمته إلى «اللجنة الوطنية الديمقراطية» لحث الحزب على معارضة إرسال شبابنا إلى حرب دون معرفة كلفتها وشروط المشاركة وعواقبها، في بلد لا نعرف تاريخه وحضارته. وسمح لي قادة الحزب بتقديم القرار، لكنهم لم يسمحوا بالتصويت عليه.
وكنت أستضيف، في هذه الأثناء، برنامجاً أسبوعياً لتلقي الاتصالات على الهواء في تلفزيون أبوظبي ودايركت تي.في بالولايات المتحدة. ونظم تلفزيون أبوظبي عرضين مباشرين عبر الأقمار الاصطناعية يربطان الطلاب في ديفيدسون بطلاب جامعة بغداد. وفتحت عيون طلابي على تاريخ وحضارة وخصوصية العراق. وبعد البرنامج، أخبرني أحد طلاب ديفيدسون أنه كان من الصعب للغاية التحدث مع العراقيين وهم يعلمون أننا سنقصفهم.
وبعد عقدين من الزمن، نسينا الأكاذيب إلى حد كبير، ولم تتم محاسبة أحد. ونشر الرئيس باراك أوباما مذكرات التعذيب التي صدرت في عهد بوش والتي أريد بها تقديم مسوغ «قانوني» وتعريف الأساليب المسموح بها، التي يمكن استخدامها لتعذيب السجناء المحتجزين في أفغانستان والعراق، مما أثار الآمال في المساءلة عن جرائم الحرب. وكانت المذكرات مرعبة في وصف قسوة ممارسات التعذيب المسموح بها. لكن بعد نشر المذكرات، أعلن أوباما «أننا لن ننظر إلى الوراء».
وها نحن ذا، بعد عقدين من الحرب من دون مساءلة عن الأكاذيب التي أودت بأرواح آلاف الشباب الأميركي ومئات الآلاف من العراقيين. وصقور المحافظين الجدد أنفسهم الذين لا يزالون يعتبرون «خبراء»، يظهرون الآن على موجات الأثير ويروجون تصورهم الثنائي لعالم تتصارع فيه قوة الخير مع قوة الشر وعن نحن والأعداء. ويظل الجمهور الأميركي بلا دراية ليس فقد بالعراق وما فعلناه هناك، بل مازال أيضاً لا يدري شيئاً عن الشرق الأوسط بأكمله وتاريخه وثقافته. ونواصل العمل في عماء في ظل عالم تتزايد خشيته من دورنا لأننا نفتقر على وجه التحديد للمساءلة وفهم التاريخ. والحقيقة هي أن المساءلة لن تجعلنا أضعف، بل ستجعلنا أكثر ذكاء وأقوى وأكثر جدارة بالاحترام.

عن الاتحاد الإماراتية