هل "اشترت" السعودية إنجازها الفضائى؟

تابعنا على:   11:53 2023-06-03

فيصل عباس

أمد/ فى الوقت الذى نحتفل فيه بتألّق السعودية نتيجة إنجازها الأخير فى مجال علوم الفضاء، حاول البعض من المنتقدين على وسائل التواصل الاجتماعى التقليل من شأن هذه الخطوة، معتبرين أنها أتت نتيجة إمكانات بلادنا الاقتصادية فحسب.

كما أشار هؤلاء إلى أن هذا الإنجاز المُتمثّل فى إرسال رائدى الفضاء السعوديين، ريانة برناوى وعلى القرنى، إلى محطة الفضاء الدولية تم «شراؤه» لا تحقيقه. ولا تُقلل مثل هذه الروايات من عمل المملكة وابتكاراتها وروحها الريادية فحسب، بل تتغافل أيضًا عن الاعتراف بالطرق المتعددة التى تُستخدم بها موارد السعودية من أجل تحقيق تقدّم مشترك ودعم القضايا الإنسانية.

بالطبع، تُعتبر القوة المالية للسعودية حقيقةً ولا يمكن إنكارها، إلا أن السؤال الرئيسى الذى يجب طرحه لا يرتبط بقدرتها على الإنفاق، بل بكيفية توجيهها لهذه الموارد واختيارنا لوجهاتها. فكون بلد ما غنيا، فهذا لا يعتبر مؤشّرًا لمدى نجاحه؛ حيث توجد أمثلة عدّة فى المنطقة، رأينا من خلالها بُلدانًا كانت فاحشة الثراء فى الماضى إلا أنها اليوم تعانى من الفوضى، ويسود انعدام الاستقرار فيها، وتفتقر إلى المرافق الأساسية.

فى حين أنه من الواضح أن من ينظر لتعامل السعودية مع ثروتها يظهر منحى إيجابيا، حيث توظّف المملكة مواردها فى عدد كبير من المبادرات التحويلية على الصعيدين المحلى والعالمى.

فلنبدأ بإلقاء نظرة على الجهود الإنسانية الجديرة بالثناء التى تبذلها السعودية.. فقد قادت الرياض مؤخرًا عملية إجلاء للمدنيين المحاصرين نتيجة الاضطرابات فى السودان، منقذة بذلك عددًا لا يحصى من الأبرياء.

كما تذهب مساعداتنا أبعد من الاستجابة الفورية للأزمات، إذ مازلنا نُعتبر إحدى كبرى الجهات المانحة فى مجال المساعدات العالمية، حيث ندعم باستمرار الدول الأكثر فقرًا ونساعدها على رفع مستويات معيشتها وتعزيز التنمية المستدامة عبر برامج مثل تلك التى يُطلقها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية والصندوق السعودى للتنمية.

واللافت أن عددًا لا بأس به من الذين انتقدوا صرف المملكة على مشروعها الفضائى يأتون من بلدان لطالما كانت من أول المستفيدين من برامج المساعدات والمعونات السعودية.

وبالإضافة إلى ذلك، أنقذت تدخلاتنا الاقتصادية عددًا من الاقتصادات التى كانت على وشك الانهيار. وتُظهر هذه الإجراءات التزامنا بالاستقرار العالمى الذى يذهب أبعد من الحسابات المالية البحتة، وتؤكّد التزامنا بالتقدم المتبادل والازدهار المشترك.

أمّا داخليًا، فتشكّل المشاريع الضخمة التى تُنفّذها المملكة، من نيوم إلى الدرعية ومشروع البحر الأحمر، كما مبادرتى السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، خير دليل على التزامنا بتنويع الاقتصاد وتحقيق الاستدامة. ولا تَعِدُ هذه المشاريع بإحداث ثورة فى اقتصادنا المحلى فحسب، بل بالمساهمة فى الابتكار العالمى والتوازن البيئى أيضًا.

يتغاضى منتقدونا بسهولة عن هذه الجوانب ويختارون التركيز على إنفاقنا على استكشاف الفضاء.. ومع ذلك، فإن الاستثمار فى العلوم والاستكشاف ليس بتبذير، بل إنه مسعى يستحق الثناء.. ويعكس تقدّمنا فى مجال علوم الفضاء طموحنا الأوسع المُتمثّل فى التحول إلى جهة رائدة فى مجال الابتكار التكنولوجى، والمساهمة فى توصّل البشرية إلى فهم مشترك للكون وإلهام أجيال المستقبل.

يشكّك المنتقدون فى السبب وراء مشاريعنا الفضائية، معتبرين أنها مجرد عروض لثروتنا. ويبدو أن حقيقة ارتباط استكشاف الفضاء بالتقدم البشرى بقدر ارتباطه بتحقيق إنجاز وطنى قد فاتتهم.. فإن هذا النوع من الاستكشاف يشجع على الفضول العلمى، ويعزز الابتكار التكنولوجى، ويدعم التعاون العالمى - كلّها عناصر أساسية عند تعاملنا مع تحديات عصرنا الملحة، من التغير المناخى إلى ندرة الموارد.

وتُعدّ مراجعة تجارب الدول الأخرى التى استثمرت بشكل كبير فى مجال استكشاف الفضاء خطوةً مفيدةً، إذ تسمح لنا بتحديد نمط واضح للعائدات واسعة النطاق والتى تمتد إلى ما هو أبعد من المسائل النقديّة.

فلنأخذ مثلًا الولايات المتحدة التى كانت إدارتها الوطنية للملاحة الجوية والفضاء رائدةً فى مجال استكشاف الفضاء لعقود. كما حصد الاستثمار فى «بعثات أبولو» إلى القمر أرباحًا كبيرةً، وذلك على الرغم من اعتباره باهظ التكلفة فى البداية.

وقد شقّت الابتكارات التكنولوجية الناتجة عن هذه المشاريع- مثل الألواح الشمسية وفحوصات التصوير المقطعى المحوسب وحتى الأطعمة المجففة بالتجميد- طريقها إلى حياتنا اليومية، مفيدةً بذلك البشرية جمعاء، ويُعتبر هذا هو العائد المادى والملموس على الاستثمار الذى حققه استكشاف الفضاء.. إلا أن أثر كل ذلك يتجاوز المقاييس المالية والمنتجات المادية.

فقد أثار إطلاق الاتحاد السوفيتى للقمر الصناعى «سبوتنيك» وسباق الوصول إلى الفضاء الذى لحقه اهتمام الناس بمجال العلوم فى جميع أنحاء الولايات المتحدة، مما أدى إلى نمو غير مسبوق فى الاهتمام بمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وساعدت زيادة الاهتمام هذه فى دفع عجلة الابتكار التكنولوجى والنمو الاقتصادى إلى الأمام على مدة العقود التالية.

وبالإضافة إلى ذلك، يجب عدم الاستهانة بالتأثير الملهم لعمليات استكشاف الفضاء. فقد رأينا صورة أول إنسان وطأت قدماه على سطح القمر والصور المذهلة للمجرات والسدم البعيدة التى التقطها تلسكوب هابل الفضائى والإنجازات التى حققتها مركبات استكشاف المريخ.. كلّها أمور نشّطت مُخيلة عدد لا يحصى من الشباب، حيث ألهمتهم لاختيار مهن فى مجال العلوم، وساهمت فى تعزيز ثقافة الابتكار والاستكشاف.

وبتنا نشهد بالفعل فى السعودية موجةً مماثلةً من الاهتمام، إذ عزّز استثمارنا فى مجال استكشاف الفضاء اهتمام شبابنا فى مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فى حين يشكّل رواد الفضاء السعوديون نماذج يحتذى بها، ويلهمون شبابنا لكى تكون أحلامهم كبيرةً ولكى يسعوا للوصول إلى النجوم.

تشكّل رحلة رائدى الفضاء السعوديين إلى المحطة الفضائية أكثر من مجرد إنجاز حماسى لبلدنا، إذ تُعتبر تجسيدًا لأهدافنا الأوسع. إنها لخير دليل على أن السعودية تستخدم مواردها لا بهدف تطوير نفسها فحسب، بل من أجل أن تكون لها مساهمةً إيجابيةً تُفيد العالم بأسره.. وبالتالى يجب أن تتم الإشادة بهذا الإنجاز بدلا من التقليل من أهميته.
 عن "المصري اليوم"

كلمات دلالية

اخر الأخبار